الأقسام الشائعة




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فمن مشهور كلام العلماء: «من تكلم في غير فنه جاء بالعجائب» أي من كان يتقن فنا فتكلم في غير فنه بكلام أهل الاجتهاد فيه جاء بالعجائب لكونه غير متأهل للكلام فيه، فيكون من القول بغير علم، وأعظم ذلك الكلام في الأمور الدينية الشرعية بغير علم، والله عز وجل حرم ذلك، وجعله قرين الشرك فقال عز وجل: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 33].
وذلك أن القول على الله بغير علم هو من كيد الشيطان وأمره؛ قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168، 169].
وقال تعالى : {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 36 - 39]
وقد جعل شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله –كما في الدرر السنية في الأجوبة النجدية(1/ 137)- من يعمل بغير علم من رؤوس الطواغيت، فكيف بمن يتكلم في دين الله بغير علم ولا هدى، بل بمحض الجهل والهوى؟!
وحسب معرفتي بعماد فراج، وقراءتي لما يكتب فإنه لا يحسن فناً من فنون الشريعة، فلم يدرس على أهل العلم –فيما أعلم-، ولا تخصص في علم شرعي، فقد هجم على الكلام في مسائل العلم بدون علم فوقع في تخبطات كثيرة، حتى وقع في تكفير أئمة المسلمين، وامتهن معاداة أولياء الله عز وجل الذين أجمعت أهل السنة على تقواهم، ودينهم وإمامتهم، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم، والعلامة ابن عبدالهادي، والحافظ ابن كثير، وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، وأئمة نجد، وغيرهم ممن جاء بعدهم من علماء السنة، فيصدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب» خرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فكلامه في الشرع بهذه التأصيلات الجديدة، والتسرعات الممقوتة، والدعاوى المرذولة يجعله مذموماً مخذولاً.
ومن أمثلة ذلك ما قام به من تضعيف لحديث صحيح، اتفق المحدثون على صحته، فجاء عماد فراج ليضعفه!
فقد اطلعت له على مقال يرد فيه على مقالي: «الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية ودحر افتراءات عماد فراج وتكفيرِهِ لعلماء السنة النبوية»
تكلم فيه بغير علم كعادته، واشتمل على ما امتهنه من التكفير والسب والتجديع في أئمة أهل السنة، وسأقف معه عدة وقفات تكشف زيف ما كتب، وضلال ما قرر، وفساد ما أراد من تأكيد لتكفيره لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

الوقفة الأولى
الرد على تضعيفه لحديث : «التجديد»

ضعَّف عماد فراج حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، بدون حجة ولا برهان، إلا محض الرأي والهوى، وهو –حسب معرفتي به- غير قادر على إقامة حجته لكونه ليس من أهل الحديث لا علماً ولا منهجاً ولا أدباً.

تخريج الحديث وأدلة صحته

رَوَاه أبو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ (رقم4291)، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي المُعْجَمِ الأوْسَطِ (رقم6527)، وَابنُ عَدِيٍّ فِي مقدمة الكَامِلِ (1/ 114)، وَالحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ (4/ 522)، وَالبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالآثَارِ (1/ 137)، وَفِيْ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ (1/ 137)، وَأبو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي «السُّنَنِ الوَارِدَةِ فِي الفِتَنِ وَغَوَائِلِهَا» (رقم364)، وَالخَطِيْبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ (2/ 61 - 62)، وَالهَرَوِيُّ فِي ذَمِّ الكَلاَمِ (رقم1107)، وَابنُ عَسَاكِرٍ فِي «تَبْيِيْن كَذِبِ المُفْتَرِي» (ص/51 - 52)، وَالمِزِّيُّ فِي تَهذيبِ الكَمَالِ (12/ 412، 24/ 364)، وَابنُ حَجَرٍ فِي تَوَالِي التَّأْسِيْسِ (ص/ 46) وغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ وَهْبٍ أخْبَرَنِي سَعِيْدُ بنُ أبِي أيُّوبَ عَنْ شَرَاحِيلَ بنِ يَزِيْدَ المعَافرِيِّ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بِه مَرْفُوعاً.
وسَنَدُهُ صَحِيْحٌ.
عبد الله بن وهب ثقة إمام .
وسعيد بن أبي أيوب: روى له الجماعة، واتفق الأمة على الاحتجاج بروايته، ولم يضعفه أحد من العلماء، وثقه يحيى بن بكير، ويحيى بن معين، والنسائي، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وابن حبان، وابن سعد، والذهبي، وابن حجر، واحتج به البخاري ومسلم، وخرجا له في الأصول.
وصحح له الشيخان -كما سبق-، وابن خزيمة، وابن حبان، وقال في مشاهير علماء الأمصار(ص/191): "من جلة المصريين وقدماء مشايخهم"، وصحح له الطحاوي، والحاكم، والضياء المقدسي، ولم يتخلف عن الاحتجاج به أحد ممن كتب في الحديث الصحيح.
وقال الإمام أحمد، وأبو حاتم: لا بأس به، وقال الساجي: صدوق.
فهو حجة بالإجماع، وقد جاوز القنطرة بإخراج الشيخين له، وعدم طعن أحد من العلماء فيه.
وشراحيل بن يزيد المعافري: روى له الإمام مسلم في صحيحه، ووثقه ابن حبان، وصحح له الطحاوي، والجورقاني، والحاكم، ووثقه الذهبي، وقال الحافظ: صدوق، وكل من صحح سنده فهو على القول بتوثيقه.
وروى عنه جمع من الثقات، ولم يتكلم فيه أحد بجرح مطلقاً.
 
فهو ثقة، ومن جهَّله، أو طعن في ضبطه، فقد خالف إجماع أهل الحديث من المتقدمين.
وأبو علقمة المصري ثقة بالاتفاق.
وقد صَحَّحَهُ الحَاكِمُ - كَمَا فِي فَيْضِ القَدِيْرِ (2/ 281) -، وقال ابن مفلح في الفروع(6/392) عن سنده: "كلهم ثقات"، والطوفي في شرح مختصر الروضة، وصححه العِرَاقِيُّ، والحافظ ابن حجر، وَالسَّخَاوِيُّ فِي المَقَاصدِ الحَسَنَةِ (ص/238)، والشَّيْخُ سُلَيمَانُ بن عبدالله آل الشيخ، وَالشيخ الألبَانِيُّ فِي الصَّحِيْحةِ (رقم 599).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: "هذا الحديث إسناده جيد رجاله كلهم ثقات، وقد صححه الحاكم والحافظ العراقي والعلامة السخاوى وآخرون"
وفي فتاوى اللجنة الدائمة بتوقيع الشيخ ابن باز والشيخ ابن غديان والشيخ عبدالرزاق عفيفي الحكم على الحديث بالصحة، وثقة رجاله.
بَلْ قَالَ السُّيُوطِيُّ - كَمَا فِي عَوْنِ المَعْبُودِ (4/ 182) -: «اتَّفَقَ الحُفَّاظُ عَلَى أنَّهُ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ».
وقال العجلوني في كشف الخفاء(1/282) : "وقد اعتمد الأئمة هذا الحديث".
واحتج به الإمام أحمد، ورأى أن الإمام الشافعي هو مجدد المائة الثانية.
وكون عبد الرحمن بن شريح رواه عن شراحيل بن يزيد من قوله فلا يعارض روايته المسندة، لأن الراوي قد يتكلم بالحديث بدون إسناد، ثم يبين إسناده، ولم يعل هذا الحديث بهذه العلة أحد من أهل الحديث، بل ذكرها أبو داود دون قصد الإعلال كما هو ظاهر.
وأما الإعلال بتفرد شراحيل عن أبي علقمة فلا وجه له، فأبو علقمة ليس من المكثرين، ولم يعرف له تلامذة اختصوا بحديثه، بحيث لا يفوتهم شيء أو لا يكاد يفوتهم منه شيء..
فمثل هذا الراوي لا يرد تفرد الصدوق عنه، ولا يعل به أهل الحديث، بل يحسنون رواية الصدوق عنه، ويحتجون بها، لا سيما في الطبقات المتقدمة مثل طبقة أبي علقمة.
والإعلال بتفرد شراحيل رغم أنه مخالف لإجماع أهل الحديث في هذا الحديث، فإنه ليس من منهج أهل الحديث الإعلال بتفرد الصدوق عن الثقة مطلقاً، بل بشروط منها أن يكون الراوي المتفرد ممن قل ضبطه، ولم يتابع متابعة تامة ولا قاصرة، ويكون شيخه من المكثرين، والذين لهم تلاميذ اختصوا بجمع حديثه.
وقد يعل يتفرد الصدوق لو كان متن الحديث منكراً بشهادة أئمة الحديث، فقد يعل بتفرد الصدوق دون بعض الشروط السابقة..
فتبين أن إسناد الحديث صحيح، وأن رجاله ثقات، وهو متصل، وليس بشاذ، ولا معل، ولم يتكلم فيه أحد من أئمة الحديث بطعن أو رد، أو تضعيف، بل صححوه، وبالقبول تلقوه.
والله أعلم.
 

بعض أعلام المجددين من القرن الثامن إلى زماننا

طالب عماد فراج بذكر أسماء المجددين من بعد شيخ الإسلام ابن تيمية إلى زماننا، فأقول مستعيناً بالله:
إن من تأمل في تاريخ بعض مجددي الأمة وجد أن كثيرا من المجددين للقرون التي تليه هم من تلاميذه أو تلاميذ تلاميذه، ممن يجلون ذلك المجدد، ويعتنون بعلومه، كما حصل في القرون بعد إمام أهل السنة أحمد بن حنبل، والقرون بعد شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، والقرون التي بعد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله.
فمن مجددي القرن التاسع (من عام 801-900) : العلامة شهاب الدين أحمد بن راشد الملكاوي الشافعي(توفي سنة 803) ويصلح أن يذكر في مجددي القرن الثامن بعد شيخ الإسلام ابن تيمية، ومع الحافظ ابن كثير، والحافظ المزي، والحافظ ابن رجب والعلامة ابن مفلح، والعلامة المرداوي.
ومن المجددين في القرن التاسع : يوسف ابن عبدالهادي الشهير بابن المبرد، وهو صاحب كتاب «جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر» وتوفي سنة909هـ.
من مجددي القرن العاشر (من عام 901-1000) : أبو البقاء محمد بن شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الحنبلي الشهير بابن النجار(توفي سنة 972).
من مجددي القرن الحادي عشر (من عام 1001-1100) : العلامة عبد الباقي بن عبد الباقي بن عبد القادر البعلي الحنبلي الدمشقي، مات سنة 1071هـ .
من مجددي القرن الثاني عشر (من عام 1101-1200) : شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب(توفي عام 1206هـ).
من مجددي القرن الثالث عشر(من عام1201-1300) : الشيخ المجدد عبدالرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب(ت 1285هـ).
من مجددي القرن الرابع عشر (من عام1301-1400) : الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، والشيخ العلامة محمد بن إبراهيم، والشيخ العلامة سليمان بن سحمان، والشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ المجدد عبدالعزيز ابن باز.
من مجددي القرن الخامس عشر (من عام1401-1436) : الشيخ المجدد مقبل بن هادي الوادعي رحمهم الله، والشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله، والشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان.
وقد ذكرت نماذج من المجددين لهذا الدين من بعد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى يومنا هذا، ومن تأمل سير علماء السنة عبر القرون، وتأمل سير شيوخهم وتلامذتهم سيجد كثيراً من العلماء في المشرق والمغرب لهم دور بارز في إحياء السنة وإماتة البدعة.
وبعد هذا السرد والتنبيه أختتم هذه الوقفة بنصيحة لهذا الكاتب عماد فراج أن يطلب العلم على أهله، وأن لا يغتر بنفسه، ولا يتكبر على عباده، ولا يتكبر على الحق، وأنصحه بالتجرد للحق، والتوبة مما وقع فيه من المنهج الفاسد الوخيم.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبه:
أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي
23/ رمضان / 1436 هـ