
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم بمشيئة الله سنرفع النقاب عن سوء فهم الحدادية وجهلهم بالمسائل
العلمية، وبالأخص مسألة التصنيف عند علماء السلف، واتهامهم لهم بتهمة
السرقات العلمية!!!
وسنأخذ الشيخ رسلان نموذجًا من هؤلاء العلماء؛ حيث
أن الحدادية أرادوا إسقاطه بما اتهموه بأنه (سارق) لأنه أحيانا لا يعزوا
القول إلى قائله في بعض مصنفاته.
وقبل أن نبدأ في الرد على هذه الشبهة،
أريد أن أوضح مسألة مهمة ألا وهي: تصد ر الحدادية الصغار الأغمار للطعن
في الكبار من العلماء الأبرار!!!
وإني سائلهم سؤلاً:
من الذي يستطيع أن يُسقط شيخًا من الشيوخ، أو يُجرّح عالمًا من العلماء، ومع ذلك يؤخذ بقوله بين العلماء وبين طلبة العلم؟!
فالذي يحكم على عالم أنه مبتدع أو أنه ساقط أو أنه لا يُؤخذ منه علم، هم العلماء فقط، أصحاب البصيرة، وبالأخص علماء الجرح والتعديل.
فمنذ متى سمعنا أن عامي من العوام -لا ينتسب للعلم ببنت شفه- جرَّح عالمًا، أو أسقط شيخًا، وتابعه العلماء على ذلك ؟!!!.
واليوم من داخل كهف الحدادية تكلم شيخهم ومعه بعض من حُدثاء الأسنان من
الحدادية الصغار الأغمار، وقالوا: أن الشيخ رسلان ((ساقط)) لأن عنده سرقات
علمية، فقد نقل سطوراً كثيرة من كتب أهل العلم دون أن يعزو الكلام إلى
صاحبه، وبهذا يسقط رسلان ولم يؤخذ منه علم!!!!!
وهذه نماذج من ترّهاتهم التي نشروها على الشبكة العنكبوتية
■ سرقة رسلان:
1-● سرقات رسلان في خطبته الحوثيون ذراع المجوس في اليمن بتاريخ 27-3-2015م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2-● سرقات رسلان في خطبته الشيعة في مصر بتاريخ 15-5-2015م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3-● سرقات رسلان في خطبته الإدمان و الإفساد في الأرض بتاريخ 22-5-2015م
... و ... و ... و ...
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
ومن بعد هؤلاء الحدادية جاء شيخهم شيخ الحدادية السائر على نهج تلاميذه
المتكلم بعدهم، فقعَّد قاعدة من كيسه أو من كيس تلاميذه - ليس لهم فيها
سلف-
وهذه القاعدة هي: "أن من فعل ذلك فليترك تحديث الناس!!!"
من أين أتى هذا "الأحيمق الجهول" بهذه القاعدة ؟!
..........................
والآن نبدأ -بإذن الله- في الرد على هذه الشبهة، ونقول:
ما المقصود بالسرقة العلمية؟
السرقة العلمية في أبسط معانيها: ((هي استخدام غير معترف به لأفكار وأعمال
الآخرين، يحدث بقصد أو بغير قصد، وسواء أكانت السرقة مقصودة أو غير
مقصودة، فهي تمثل انتهاكاً أكاديمياً خطيراً)). [رسالة "الاقتباس العلمي"
لعارف الحربي].
ولو تأملنا في كلمة ((استخدام غير معترف به)) لوجدناها تخالف طرق التصنيف عند السلف.
و يتبين أن "عدم العزو" لو كان معترف به عند السلف فلا شيء فيه، ولا يسقط فاعله.
ولو ألقينا الضوء على منهج التصنيف عند السلف ونظرنا في كتبهم لوجدنا أن
مسألة "نقل العلم بدون عزو" كانت معلومة بين أهل العلم، وهي طريقة من طرق
التصنيف عندهم.
فطرق التصنيف –كما في رسالة "الاقتباس العلمي"- كالتالي:
1- أن ذلك كان منهجا سائدا في تلك الحقبة الزمنية.
2- أن الغاية عند أهل العلم نشر العلم وبذله والتعاون في هذا الجانب بغض النظر عن نسبة الآراء والأقوال لأصحابها.
3- قد يكون من أسباب عدم العزو مراعاة المصلحة في هذا الجانب فإنه في بعض
البلاد لا يمكن أن يسمى بعض أهل العلم لوجود خصوم لهم يناؤونهم فإذا عزا
المؤلف ربما تعرض لأمور لا تحمد عقباها فيترك العزو لتحقيق مصلحة نشر
العلم.
4- ربما يكون من أسباب عدم العزو شهرة هذا القول وعدم خفائه كما
فعل ابن عبد البر-رحمه الله-من ذكر تعريف القدر بأنه سر الله وعدم عزوه
محمول على شهرة هذا القول عند أهل السنة والجماعة.
5- مما تميز به جمع
من أهل العلم من المتقدمين قوة ذاكرتهم فربما حفظ مسالة أو قولاً ولقلة
المصادر عند البعض فإنه ربما ينسى مورد الفائدة مع حفظه لنصها فيذكرها بدون
عزو خصوصا إذا علم أن بعضهم ألَّف جملة من الكتب دون الرجوع إلى المصادر
والمراجع بل يذكر ما يريد من حفظه كما فعل ابن القيم الجوزية في زاد المعاد
والرسالة التبوكية.
ومن هنا نعلم:
أن الأصل عند أهل العلم
العزو عند التصنيف، ولكن إن حصل منهم عدم العزو فلا يَسقط فاعله، وهذا
نظرًا إلى أن الأصل عند أهل العلم نشر العلم وبذله والتعاون.
أما من
يدَّعي خلاف ذلك فهو مخالف ويوقع نفسه في اتهام علماء السلف على مد العصور
بالسرقة العلمية،لأن المعلوم أن عدم العزو سار عليه جملة من المتقدمين،
وعليه فلا ضير في هذا الصنيع.
وعند النظر والتأمل في مصنفات أهل
العلم المتقدمين والمتأخرين نجد أن كثيرا من مصنفاتهم لا تخلوا من نقل
نصوصًا من علماء سابقين أو معاصرين بدون عزو، ولم ولن يتهمهم أحد بالسرقات
العلمية ولا بأنهم ساقطون ولا حكم عليهم أحد بعدم تحديث الناس!!!
وهذه نماذج من فعل السلف (ونقل الكلام نفسه سيكون في نهاية البحث)
1- صنيع مسلم وابن أبي حاتم مع البخاري -رحمهم الله -
قال أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الكرابيسي: ((رحم الله الإمام محمد بن
إسماعيل، فإنه الذي ألف الأصول، وبين للناس، وكل من عمل بعده فإنما أخذه
من كتابه، كمسلم بن الحجاج فرق كتابه في كتبه، وتجلد فيه حق الجلادة، حيث
لم ينسبه إلى قائله، ولعل من ينظر في تصانيفه لا يقع فيها ما يزيد إلا ما
يسهل على من يعد عداً، ومنهم من أخذ كتابه، فنقله بعينه إلى نفسه كأبي
زرعة، وأبي حاتم، فإن عاند الحق معاندٌ فيما ذكرت، فليس يخفى صورة ذلك على
ذوي الألباب)) [ الأربعين المرتبة على طبقات الأربعين: (293) ].
وقال الدارقطني: "وأي شيء صنع مسلم، إنما أخذ كتاب البخاري وعمل عليه مستخرجا وزاد فيه زيادات" [الحديث والمحدثون: (390)]
----------------------------------
2- صنيع البخاري مع أبي عبيدة معمّر بن المثنى - رحمهما الله-
قال ابن حجر في ترجمة "أبي عبيدة" في "تهذيب التهذيب" ((وذكره البخاري في
"صحيحه" في مواضع يسيرة، سمَّاه فيها وكنَّاه -تعليقا- ... وهذه المواضع
كلها في كتاب "المجاز" لأبي عبيدة معمر بن المثنى هذا وقد أكثر البخاري في
جامعه النقل منه من غير عزو -كما بينت ذلك في الشرح)) [ تهذيب التهذيب:
(10/247) ].
-------------------------------
3- قال الإمام
أحمد في محمد بن إسحاق صاحب "المغازي": ((كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَشْتَهِي
الحَدِيْثَ، فَيَأْخُذُ كُتُبَ النَّاسِ، فَيَضَعُهَا فِي كُتُبِه)).
فعقّب الذهبي في "السير" قائلاً: ((هَذَا الفِعْلُ سَائِغٌ، فَهَذَا
(الصَّحِيْحُ) لِلْبُخَارِيِّ، فِيْهِ تَعلِيقٌ كَثِيْرٌ)). [سير أعلام
النبلاء: (7/46) ].
-----------------------
4- قال الإمام السخاوي في "الجواهر والدرر ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر":
ووراء ذلك أنه (أي: ابن حجر) كان يعرفُ من أين أخذ المصنف تصنيفه أو بعضه، فقرأت بخطه ما نصه:
(فصل: فيمن أخذ تصنيف غيره، فادّعاه لنفسه، وزاد فيه قليلا ونقص منه؛ ولكن
أكثره مذكور بلفظ الأصل: "البحر" للرياني أخذه من الحاوي للماوردي.
"الأحكام السلطانية" لأبي يعلى، أخذها من كتاب الماوردي؛ ولكن بناها على مذهب أحمد.
"شرح السنة للبغوي" مستمد من شرحي الخطابي على البخاري وأبي داود.
"الكلام على تراجم البخاري" للبدر بن جماعة، أخذه من "تراجم البخاري" لابن المنير باختصار.
"علوم الحديث" لابن أبي الدَّم، أخذه من "علوم الحديث" لابن الصلاح بحروفه، وزاد فيه كثيرًا.
"محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح" لشيخنا البُلقيني، كلُّ ما زاده
على ابن الصلاح مستمدٌّ مِنْ "إصلاح ابن الصلاح" لمُغلْطاي. [الجواهر
الدرر: (1/392) ].
-----------------------------
5- نقل القاضي عياض كلام الباقلاني - مع تصرف يسير- دون عزو إليه.
قال القاضي عياض: ((وكذلك لا تنعقد ابتداء للفاسق بغير تأويل، وهل يخرج
منها بموافقة المعاصى. ذهب بعضهم إلى ذلك، وأنه يجب خلعه، فإن لم يقدر عليه
إلا بفتنة وحرب لم يجز القيام عليه، ووجب الصبر عليه؛ لأن ما تؤدى الفتنة
إليه أشد، وقال جمهور أهل السنة من أهل الحديث والفقه والكلام: لا يخلع
بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه،
وترك طاعته فيما لا تجب فيه طاعته؛ للأحاديث الواردة في ذلك من قوله صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطعهم وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك، ما أقاموا
الصلاة "، وقوله: " صلِّ خلف كل بر وفاجر"، وقوله: " إلا أن تروا كفراً
بواحاً عندكم من الله فيه برهان "، وقوله: " وألا ننازع الأمر أهله "، وأن
حدوث الفسق لا يوجب خلعه. وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد فى هذه المسألة
الإجماع ))
وهذا بعينه كلام "الباقلاني": في كتابه " تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل": (1/478):
قال : ((بَاب ذكر مَا يُوجب خلع الإِمَام وَسُقُوط فرض طَاعَته
إِن قَالَ قَائِل مَا الَّذِي يُوجب خلعه الإِمَام عنْدكُمْ قيل لَهُ
يُوجب ذَلِك أُمُور مِنْهَا كفر بعد الْإِيمَان وَمِنْهَا تَركه إِقَامَة
الصَّلَاة وَالدُّعَاء إِلَى ذَلِك وَمِنْهَا عِنْد كثير من النَّاس فسقه
وظلمه بِغَصب الْأَمْوَال وَضرب الأبشار وَتَنَاول النُّفُوس الْمُحرمَة
وتضييع الْحُقُوق وتعطيل الْحُدُود
وَقَالَ الْجُمْهُور من أهل
الْإِثْبَات وَأَصْحَاب الحَدِيث لَا ينخلع بِهَذِهِ الْأُمُور وَلَا يجب
الْخُرُوج عَلَيْهِ بل يجب وعظه وتخويفه وَترك طَاعَته فِي شَيْء مِمَّا
يَدْعُو إِلَيْهِ من معاصي الله
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بأخبار
كَثِيرَة متظاهرة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن أَصْحَابه
فِي وجوب طَاعَة الْأَئِمَّة وَإِن جاروا واستأثروا بالأموال وَأَنه قَالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اسمعوا وَأَطيعُوا وَلَو لعبد أجدع وَلَو لعبد
حبشِي وصلوا وَرَاء كل بر وَفَاجِر) وَرُوِيَ أَنه قَالَ أطعهم وَإِن
أكلُوا مَالك وضربوا ظهرك وأطيعوهم مَا أَقَامُوا الصَّلَاة فِي أَخْبَار
كَثِيرَة وَردت فِي هَذَا الْبَاب)) أهـ.
---------------------------
6- ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله-
نقل ابن تيمية كثيرا عن غيره بدون عزو لا سيما في مجال الفكر والاستدلالات
–كما بينه المعتنون بشأنه ومصنفاته من الباحثين-، وهو يأخذ هذه
الاستدلالات ابن تيمية مأخوذة من الجويني والغزالي؛ بل عن بعض المتكلمين
والمتفلسفة –كابن رشد-، وهو يأخذ هذه الاستدلالات الصحيحة، ويصوغها بأسلوبه
الخاص، ومن غير عزو إلى أصحابها.
وكذلك نقل ابن القيم عن شيخه ابن
تيمية بدون عزو، ونقل أيضا عن الُّهَيْلي في "بدائع الفوائد" و "زاد
المعاد"، ونقل عن ابن الجوزي في "البدائع" وغيره في أمثلة كثيرة.
----------------------------
7- نقل المقريزي كتابه "تجريد التوحيد المفيد" من كتابين لابن القيم
فأتى بنص الكتاب الأول من كتاب ابن القيم المسمى بـ "الجواب الكافي"
وأتى بنص الكتاب الثاني من كتاب ابن القيم المسمى بـ "مدارك السالكين"
ومع ذلك جاء الإمام الألباني فشرح هذا الكتاب "تجريد التوحيد المفيد" ولم يتكلم في شيء ولم يذكر قاعدة البيلي المنحرف.
------------------
8- نقل الشيخ ابن عثيمين كتابه (( القواعد المثلى )) من كتب شيخ الإسلام
ابن تيمية -رحمه الله- ((الرسالة التدمرية))، ((والعقيدة الحموية الكبرى))،
وهذا بدون عزو.
9- ونقل الإمام ابن القيم كتابه (( إغاثة اللهفان )) من مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-، وهذا بدون عزو.
10- ونقل الإمام احمد بن حنبل مقدمة كتابه (( الرد على الزنادقة والجهمية
)) من كلام للصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهذا بدون عزو.
////////////////////////////////////////
المراجع:
هذا البحث منقول من عدة مصادر ((بتصرف يسير))، منها:
1- بحث للأخ/ محمد حسني القاهري بعنوان: "ضابط السرقة العلمية"
2- رسالة: "الاقتباس العلمي" لعارف الحربي.