القول الأمين في كشف حقيقة المتعالم أبي اليمين للشيخ \أبي عبدالأعلى خالد عثمان
القول الأمين في كشف حقيقة المتعالم أبي اليمين
(الحلقة الأولى)بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه؛ فإنه مما يبتلى به صاحب الحق في طريقه إلى الله عز وجل: الرويبضة من أدعياء العلم المتعالمين، ومن هؤلاء: أبو اليمين المنصوري، الذي ظل سنوات يخفي إسمه ويأبى أن يصرِّحَ به، مِمَّا أثار حوله الشك والارتياب، وكنا نسكت عنه تحسينًا للظن به؛ نظرًا لما يظهره من الانتماء الضعيف إلى المنهج السلفي. وقد وقفت على مقال هزيل له يفتقر إلى العلم والأدب بعنوان: "الرد على المدعو أبو عبدالأعلى خالد محمد عثمان"، فلمَّا نظرت فيه سريعًا وجدته كما قال الإمام الألباني –رحمه الله- في مقدمة المجلد الأول من الصحيحة (ص12): "يطفح حقدًا وجهلاً وغرورًا، مما ذكَّرني ببعض أشراط الساعة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: "وينطق فيها الرُّوَيْبِضَة". قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه (وفي طريق: السفيه) يتكلم في أمر العامة". وأقول كما قال الإمام الألباني: "ولست الآن في صدد الرد عليه؛ فهو أتفه عندي وأحقر من أن أضيع في ذلك وقتي، ولكن لا بدَّ لي هنا من كلمات مختصرات بقدر الإِمكان ...". فأقول أولاً ناصحًا المغترين بهذا المتعالم: إن الراغب في سلامة دينه لا يأخذ العلم عن مجهول، ولا عن متعالم. ومن ثَمَّ نحن نسأل أبا اليمين صراحة:
مَن أنت؟
وما اسمك الحقيقي بالكامل؟
ولماذا ظللت سنوات تُصِرُّ على إخفائه وعدم التصريح به؟
ومن هم مشايخك؟
ومَن زكَّاك من أهل العلم؟!
وأقول لك: يكفيك خذلانًا أنه لم يتلقف مقالك الضعيف المفتقر إلى العلم والأدب إلا مواقع أهل البدع ومنتديات الحزبيين نحو: "كل السلفيين"، ولعلَّ منتديات الحدادية الأخرى تتلقفه فهذا دأبهم في البحث عن كل مستقذر ، ولن تجد منتدًى سلفيًّا يقبل مقالك التالف هذا.
وكل منصف يقرأ مقالك يدرك أنك ما أردت منه النصيحة لله ولا لكتابه ولا لرسوله ولا لأئمة المسلمين وعامتهم، وإنما أردت الشهرة والرياء والمتاجرة بعرض أخيك لحساب قوم بهت، والله بما تعملون محيط.
والعجيب أنك لست معروفًا من قبل بالردود المنهجية العلمية على المخالفين، بل – كما سيأتي إن شاء الله لاحقًا من كلامك المسجل بصوتك- تغمز وتلمز المشتغلين بهذه الردود، فلمَّا شطحت ما وجدت أحدًا تنطحه إلا السلفيين، فما عُلِم لك طوال السنوات الماضية -التي اشتد فيها كيد أدعياء السلفية لها- أي جهد –ولو جهد المقل- في الذب عن المنهج السلفي وردَّ كيد أعدائه المناوئين له من أصحاب البدع الظاهرة والحزبيات الواضحة، فما علمنا منك –إلى وقتنا هذا- ردودًا علمية على القطبيين السروريين أمثال محمد حسَّان، وأبي إسحاق الحويني، وياسر برهامي، ومحمد إسماعيل المقدم، وسفر الحوالي، وسلمان العودة، وناصر العمر !! فأين موقفك من أبي إسحاق ومحمد حسان ومدرسة الأسكندرية السرورية القطبية؟ ما عرفنا لك نقدًا لهم ولا تتبعًا لأخطائهم وضلالاتهم الواضحة في المعتقد والمنهج؟ فما رأينا منك هذا الحرص وبذل الجهد في التحذير من شبهاتهم التي فتنت الشباب، كما رأينا حرصك على تتبع عثرات السلفيين والنيل منهم، وإثارة الفتن بينهم؟!!
وما علمنا منك موقفًا معلَنًا واضحًا ناصرًا للسنة وأهلها من أبي الحسن المأربي وأنصاره، ومن علي الحلبي وأنصاره، ومن فتنتهما التي انتشرت في الآفاق. وإياك أن تهرب من البيان، وتتلون تلون الحية الرقطاء. فإن كنت لست من أهل هذا المعترك –وبلا شك أنك لست من أهله، ولا نعلم أحدًا من أهل العلم زكَّاك في هذا الباب الدقيق من أبواب العلم-، فدع عنك الكتابة، فلست من أهلها، ولو سوَّدت وجهك بالمداد. وأنصحك أن تترك أسلوب السجع المتكلَّف الذي يحسنه أهل الكلام أكثر منك، والذي صار عَلَمًا في الآونة الأخيرة على الحلبيين –أتباع علي الحلبي-. وما بلغني عنك في آخر دورة عقدتها في المنيا عند بعض التائبين من المنهج القطبي السروري، يثير الريبة منك في موقفك من هؤلاء المبتدعة؛ حيث إنك سئلت عن الذين يسقطون محمد حسَّان، فأجبت: إن الذين يسقطون محمد حسَّان، إنما يسقطون أنفسهم، أو هم الذين يسقطون.
وقلت طاعنًا في السلفيين في سمالوط (المنيا): ليس عندهم شيء إلا الجرح والتعديل، والكلام في فلان وعلاّن...إلخ. فإن كنت قلت هذا، فهذا يفضح حقيقة منهجك المنحرف الذي تريد تغليفه بالسلفية خداعًا وتمويهًا على السُّذَّج. وإن لم تقله فإن الباب مفتوح أمامك للبراءة منه، لكن مع بيان موقفك الحقيقي من هؤلاء المبتدعة، ومن كلام العلماء فيهم. وقول تابعك الجاهل: "رحلته إلى هامبورج بألمانيا"، فيه من التدليس ما فيه؛ حيث إنه لم يبين نوعية هذه الرحلة: هل هي علمية أم دعوية أم علاجية أم سياحية؟ والمعلوم أنها رحلة علاجية، ولكنه أراد إيهام القارئ أنها رحلة دعوية تفخيمًا لشأن شيخه، كما هو دأب الغلاة مع أشياخهم.
وهذا التابع الجاهل لا يحسن قواعد الإملاء والنحو، فضلاً عن قواعد الأدب والأخلاق، كما يظهر هذا من تفريغه الركيك، فكان الواجب عليه أن يدرس هذه القواعد مما قد ينفعه عند الله بدلاً من أن يضيع وقته في هذا التفريغ الركيك فيما يضره في دينه ودنياه.
وأما قولك: "اغترارك وللأسف بسعة حلمي عليك، فذهبتَ تنال مني بلسانك مقالةً وكتابةً بيديك، فصبرت عليك أيامًا، ثم شهورًا، ثم سنيناً قاربت عدد أصابع كلتا يديك...": فأقول: مَن يقرأ هذا الكلام يخيل إليه أن أبا عبدالأعلى لم يكن له شغل شاغل طوال هذه السنوات العشر إلا النيل من أبي اليمين ! فإن صدق هذا الادعاء كان ينبغي أن يكون معروفًا لدى القريب والبعيد، ولدى أهل العلم على وجه الخصوص، هذا أولاً. وثانيًا: مؤلفاتي المطبوعة خلال هذه السنوات معروفة ومتداولة، وكذا كتاباتي على الشبكة العنكبوتية، ودروسي المسجلة فهات لي موطنًا واحدًا ذكرت فيه اسمك قدحًا أو مدحًا، ولعلك تجد موضعًا أو موضعين ذكرتك فيهما بالخير على حسب ظني فيك في ذاك الوقت. فإن لم يكن الأول ولا الثاني لم يبق إلا أنك مصاب بداء جنون العظمة، وهو داء يجعل صاحبه يشعر أن الآخرين -خاصة الذين يحسدهم ويحقد عليهم- ينشغلون به ويهتمون بأمره، وفي واقع الأمر لم يمر بخاطرهم ذكره إلا مرورًا عابرًا فضلاً عن أن ينشغلوا به. وإنما الرجل يتوهم أشياء ويبني قصورًا على نقولات حاشيته الفاسدة التي تحيط به.
وأما قولك: "وكنت دائماً أقول في نفسي قبلُ : ما عليكْ ، فأَمشي ولا ألتفت ولو مقدار زراعيك، وأرسلتُ إليك غير مرة أنْ حنانيك حنانيك، ليس والله إلا إشفاقاً عليك ، من مثل يومك هذا فإن لسانك وبنانك أَرْدَيْك، وعن قبول نُصحي لك وللأسف صممتَ أُذنيك ، وعما سيجلبه كل ذلك من آثاره عليك يومك هذا بل وَغَدك وما سيأتي بعدهما عميتْ عنه عينيك ، فلما عجزتْ معك الحيلة ، وبطلت معها المشروع من كل وسيلة ...".
أقول –كما قال أبو المعالي محمود شكري الآلوسي –رحمه الله- في "غاية الأماني في الرد على النبهاني" (2/31) في ذبِّه عن ابن عبدالهادي صاحب "الصارم المنكي في الرد على السبكي": "هذا نقد النبهاني على كتاب الصارم المنكي، وهو لا يستحق الجواب عن كلامه هذا لفساد مبناه ومعناه، وعبارته ركيكة جدًّا ليست بعبارة تصدر عن طلبة العلم فضلاً عمَّن يدَّعي دعواه، وهذا الرجل كما بيَّنا سابقًا جهله عند بيان سقطاته وغلطاته عارٍ عن كل فضيلة، لا علم ولا أدب، ولا فضل ولا حسب ...إلخ".
وأقول أيضًا: اترك هذا الكذب والتدليس على القرَّاء بإظهار نفسك بمظهر الناصح المهذَّب المشفق، والأمر بخلاف ذلك. ولولا أنك فضحت نفسك بهذا الكذب والتعدي على الأبرياء ما فضحتك ! فأقول: إن نصحك المدَّعى إنما كان عبارة عن رسائل أرسلتها إليَّ عبر الجوال فيها تهديد وسب وتجديع. ولما دعاك بعض عصابتك -الذين كانوا يدَّعون أنهم يدرسون عندي، وهم في الأصل جواسيس عليَّ لك- إلى مجلس يجمعني معك وشيخنا حسن بن عبدالوهاب تحت دعوى تجميع السلفيين، والتأليف بينهم، وهم كَذَبَة في هذا؛ قمت بالغمز واللمز فيَّ في حضوري وأمام طلبتي، ثم غمزت في علم الجرح والتعديل، وفي إمامه في هذا الزمان: شيخنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله-، ورغم هذا أحسنت استضافتك، وما علَّقت على كلامك في المجلس نفسه. وبعد انصرافك فوجئت بشيخنا حسن بن عبدالوهّاب –حفظه الله ومتَّعه بالعافية- يقول لي على انفراد: ألم تنتبه لما قاله أبو اليمين؟ فقلت للشيخ مستفهمًا: ماذا قال؟ قال: تفوه بكلام غير منضبط فيه غمز ولمز في علم الجرح والتعديل، وفي الشيخ ربيع، فلماذا لم ترد عليه؟ فأجبت الشيخ –حفظه الله- قائلاً: تعلمون أني مريض، وما أحببت أن أحرجه. فاستطرد الشيخ قائلاً: هذا الكلام يجب أن يُرد عليه؛ لأنه قيل في حضوري وحضورك، وتحت ضيافتك، مما يسيء إلينا؛ فوعدت الشيخ خيرًا. وبناء على طلب شيخنا –حفظه الله-، عقدت مجلسًا أزلت فيه اللبس الواقع في كلام أبي اليمين، وكنت أحاول تحسين الظن به ما استطعت، ولكن هذا الأمر لم يعجب المتعصِّبين له ممن كانوا يتظاهرون بالاستفادة مني، وفي الواقع كانوا يحضرون الدروس لإثارة الفتن والشبهات. وكلا المجلسين مسجَّلَيْن، وسيأتي بيان هذا بتفصيل لاحقًا إن شاء الله.
وأقول لأبي اليمين: إن كلامك السابق منطوقه يدينك في قصدك ونيتك؛ حيث إنك ما تجشمت عناء البحث عن أخطائي المدَّعاة إلا لما بلغك –على حد ادعائك- طعني فيك، وما تكلَّفت نشر التحذير من هذه الأخطاء المدَّعاة إلا بعد يأسك من تركي الكلام فيك، فهل هكذا كان حال أئمة السلف؟! أنهم لا يردون إلا على مَن طعن فيهم، فإذا توقف عن هذا الطعن طووا صفحة أخطائه وضلالاته في العقيدة والمنهج والحديث والفقه، وغرَّروا بالمسلمين؟!! أم أن منهج السلف –الذي أنت تجهل آدابه وأحكامه في هذا الباب- قائم على بيان أخطاء وزلاَّت العلماء بالحجة والبرهان، وفضح ضلالات أهل الأهواء، فإن كان المخطئ من أهل السنة والعلم والهدى تأدبوا معه، وردوا عليه خطئه مع حفظ مقامه، وإن كان من أهل البدعة المعلن بها المخاصم عليها شنَّعوا عليه، وقعدوا له كل مرصد؛ حتى يدع بدعته أو يقضى عليها.
ولذا فإني أهيب بك إن كنت شجاعًا مقدامًا أن تبادر بعرض مقالك التالف هذا على العلماء، وأن تقرأه عليهم كلمة كلمة لكن على أن تذكر ما لك وما عليك، وأن تقرأ عليهم نماذج من رسائل التهديد التي كنت تواليني بها عبر السنوات الماضية –خاصة الرسائل الأخيرة التي امتلأت بالسب والتجديع-، كي يحكم العلماء بيني وبينك بالحق لا بالتهاويل والأكاذيب. ولكن هذا بعيد عنك؛ لأنك أبعد ما يكون عن العلماء الربانيين، وأبعد ما يكون عن مجالستهم إلا من باب جبر الخواطر وذرّ الرماد في العيون، وإلا فأرنا موطأ أقدامك في مجالس العلماء !! وأظن أنك تدَّعي لنفسك أو يُدَّعى لك أنك جالست الإمام الألباني –رحمه الله-، فأخرج لنا ما يثبت هذا، ولو صحت هذه المجالسة فللأسف لم تنتفع بها علمًا ولا أدبًا، فأين أنت من علم وأدب الألباني؟! والذي يظهر أنك تعتبر نفسك عالِمًا، ومن ثَمَّ لا تحتاج إلى مراجعة العلماء في مثل هذه الكتابات، والتي أبانت عن عظيم جهلك بآداب وضوابط هذا العلم الشريف: علم الجرح والتعديل، فصرت بهذه الكتابة أضحوكة عند العلماء والمميزين، وأما السفهاء وفاقدي التمييز فإنهم فرحوا بجهالاتك وتعديك على الأبرياء، واتخذوك إمامًا لهم في هذه المسألة؛ فهنيئًا لكم صحبة السوء ومغبتها.
وأما قولك: " فمن أين أبدأ معك ؟!!!لا أدري": فأقول: لا تدري كيف تتقيأ هذا السم الزعاف الذي سرى في عروقك طوال هذه السنوات، وظل حبيس صدرك !! فلا عليك ! استفرغه وتقيأه لعلك أن تُشفى، وأن تهدأ نفسك !
وأما قولك: "فهل أبدأ معك بحقيقة منهجك التكفيري وبيان بُعدك ـ حقيقةً ـ عن المنهج السلفي ؟! وعندي على صدق ذلك كله عنك ما لا تستطيع معه، عن نفسك أن تدفعه؛ لأنه كله مما هو محفوظٌ عندي ، إذ أنه مُسجلٌ عليك بلسانك ، ومكتوبٌ منك خطه بنان؟!".
فأقول: فهذا مما يضحك منه العقلاء !! أليس هذا تبديعًا لي؟!! وبهذا البهتان لا أجد غضاضة أن ألحقك بركب الحدادية المتصَّنعين للسلفية. يا لجرأتك الفاجرة على أهل الحق؟! وما أحلم الله سبحانه عليك وعلى أمثالك؟ أتعقل أيها المفتون ما يخرج من رأسك؟!! لقد ناديت بهذا الكلام بالجهل على نفسك، حتى صرت أضحوكة عند كل عاقل يحترم عقله ودينه؟ ألا تدري يا مسكين –وما أخالك إلا فقدت عقلك- أن مؤلَّفاتي وكتاباتي قد أرَّقت مضاجع التكفيريين في مصر وغيرها، ونسفت أغلب شبهاتهم وأهوائهم نسفًا، ومزقتهم كل ممزق، وشردت بهم بفضل الله ومنته وعونه لعبده؟!! وهذه تذكرة لك –لعلّك أن تتذكر أو تخشى- بأسماء بعض مؤلَّفاتي المعنية بهذا لعلَّك أن تتعلَّم منها مَن هو التكفيري: 1. "الكواشف الجلية للفروق بين السلفية والدعوات الحزبية البدعية". 2. "التفجيرات والأعمال الإرهابية والمظاهرات من منهج الخوارج والبغاة وليست من منهج السلف الصالح". 3. الحدود الفاصلة بين أصول منهج السلف الصالح وأصول القطبية السرورية.. ويتضمن المسائل التي خالف فيها الحويني أصول منهج السلف ووافق فيها القطبية السرورية". 4. "دفع بغي الجائر الصائل على إمام الجرح والتعديل والمنهج السلفي وأئمته بالباطل". والله عز وجل يقول: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} ألا تخشى جزاء البهتان؟! ألم يطرق مسامعك من قبل حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»، أخرجه مسلم (2589). وأقول: ما أشبه دعاواك الباطلة بدعاوى الحدادية والمآربة والحلبيين على الإمام ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله-!! ومن قبل ادعاها بعض السفهاء على الأئمة ابن باز والألباني وابن عثيمين ومقبل بن هادي –رحم الله الجميع-.
وأما قولك: "أم أبدأ معك من ضلالاتك وانحرافاتك العقدية ؟!!أم أبدأ معكَ ببيان جهالاتك الحديثية ؟!!!أم أبدأ معكَ بكشف جهالاتك الفقهية ؟!!!أم أبدأ بكشف جهالاتك في تفسير كلام رب البرية ؟!!!أم أبدأ بذكر جهالاتك المنهجية ـ مع إدعائك كذباً إتقانك للمسائل المنهجية ـ ؟!!! أم أبدأ بفضح سرقاتك الحسية ـ العلمية منها والمادية ـ ؟!!! اختر بأيها شئتَ أبدأُ لنفسك الردية، أو أختار لك أنا أشدها بلية ورزية .ثم التي تليها وهكذا دواليك حتى يُقضى بها عليك بالكًلية!!".
قلت: هكذا أبنت عن مقصدك الحقيقي من هذا الاعتداء السافر على أحد إخوانك ممن امتلأ قلبك حسدًا له وحقدًا عليه! فأقول: هل كان مرام الأئمة السابقين واللاحقين في ردودهم على المخالفين لهم من أهل السنة القضاء الكلي عليهم؟!! أم أن هذا هو مرام الحاسدين الحاقدين مع مَن يحسدونهم ويحقدون عليهم؟!! وإن كان المخالف مبتدعًا مخاصمًا فإن مرام الرادِّين عليه أن يقضوا على بدعته وأن يظهروا أمره حتى لا يغتر به، مع تمنيهم رجوعه إلى الحق وترك البدعة! فإن كنت تراني مبتدعًا مخاصمًا فأظهر حقيقة منهجك الحدادي الغالي، واعرض اجتهادك الساقط هذا على أهل العلم كي نرى هل يوافقونك عليه أم يسفهُّونك ويلحقونك بإخوانك من الحدادية؟! وإن كنت تراني جاهلاً لا أصلح لمقام التأليف والتدريس، فارفع أمرك هذا إلى العلماء الأتقياء البررة؛ كي نرى حكمهم على دعواك. والجميع يعرف أن العلماء الكبار راجعوا أغلب أعمالي العلمية من مؤلَّفات –خاصة المنهجية-، وتحقيقات. وقدمنَّ الله سبحانه عليَّ بمجالسة العلماء والقراءة والدراسة عليهم، ومن خلال هذه المجالس عرضت عليهم علمي ومنهجي؛ فما وجدنا منهم –بفضل الله- إلا الثناء والتشجيع والإقرار. ومن هؤلاء العلماء الأجلاء: العلامة ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله ومتَّعه بالعافية-، وفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن محيي الدين –حفظه الله تعالى-، وفضيلة الشيخ عبدالمحسن المنيف –حفظه الله تعالى-، وفضيلة الشيخ محمد بن عبدالوهاب البنا-رحمه الله تعالى-، وشقيقه فضيلة الشيخ حسن بن عبدالوهاب البنا –حفظه الله تعالى-. وكلهم بدون استثناء أثنوا على العبد الفقير بناء على ما اطَّلعوا عليه من أعماله العلمية، وما لمسوه من خلال مجالسته إياهم. ولكنك لا ترفع رأسًا لتزكيات هؤلاء العلماء، وتعتبر نفسك أعلم منهم جميعًا بحال أبي عبدالأعلى، كما ادَّعى هذا صنوك الحدادي وصديقك القديم –الذي نبذك نبذ النواة-، فلَمّا سلك مسلكك في الظلم والتعدي على العبد الفقير؛ كبته الله كبتًا وقلب الله مكره عليه وجعل كيده في نحره؛ فانقلب خاسئًا محسورًا. فعليك أن تعتبر به، وإلا ألحقت بذيله في الخيبة والخسران. ولا يعني هذا أني عري عن الخطأ، فلا يقول هذا عاقل !! وما أشبه كلامك بكلام الأخنائي في طعنه على شيخ الإسلام ابن تيمية بدعاوى باطلة، حيث قال الأخنائي كما في "الرد على الإخنائي" (ص451): "لكن كم لصاحب هذه المقالة من مسائل خرق فيها الإجماع، وفتاوى أباح ما حرّم الله فيها من الأبضاع، وتعرض لتنقيص الأنبياء، وحط من مقادير الصحابة والأولياء، فلقد تجرأ بما ادعاه وقاله على تنقيص الأنبياء لا محالة، فتعين مجاهدته والقيام عليه، والقصد بسيف الشريعة المحمدية إليه، وإقامة ما يجب بسبب مقالته نصرةً للأنبياء والمرسلين، ليكون عبرةً للمعتبرين، وليرتدع به أمثاله من المتمرّدين، والحمد لله ربّ العالمين". آخر كلامه فـــــرد عليه شيخ الإسلام قائلاً -وأدفع بالكلام نفسه في نحر هذا المتعالم-: "والكلام على هذا من وجوه: أحدها: أن هذا ليس كلامًا في المسألة العلمية التي وقع فيها النزاع، ولا عيَّنت مسألة أخرى حتى يتكلم فيها بما قاله العلماء ودل عليه الكتاب والسنة، وإنما هي دعاوى مجرّدة على شخص معين، ومعلوم أن مثل هذا غير مقبول بالإجماع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى قوم دماء قوم وأموالـهم؛ ولكن اليمين على الـمدّعى عليه....إلخ".
وأقول: بل ما أشبه أسلوبك بأسلوب هذين المجهولَين، واللَّذين توافقَا معك في إخفاء حقيقة أمرهما، حتى سلَّطني الله سبحانه عليهما فهتكت سترهما، وأبنت عن عظيم جهلهما وتعديهما على العدول من أهل العلم، وهما: الأول: صالح بن عبداللطيف النجدي صاحب كتاب: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، أو المسمى بـ"الرد الجلي على ربيع المدخلي"، والذي رددت عليه في كتابي: "دفع بغي الجائر الصائل على إمام الجرح والتعديل والمنهج السلفي بالباطل"، والذي راجعه وقدَّم له ثلاثة من العلماء الأجلاء، وهم المشايخ: ربيع بن هادي –حفظه الله-، ومحمد بن عبدالوهاب البنا رحمه الله، وشقيقه حسن بن عبدالوهاب. والعجيب أنك استفتحت مقالك التالف بمقدمة تشبه مقدمة هذا الجائر الصائل، فلا أدري هل حدث هذا اتفاقًا أم قصدًا؟ والثاني: أبو حذيفة الجزائري، المتعصِّب لأبي إسحاق الحويني، والذي سماه الشيخ فلاح بن إسماعيل مندكار –حفظه الله- بـ"مجنون أبي إسحاق". ومَن يقرأ دعواك يخالك إمامًا متبحرًا في كل هذه العلوم !! وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»، أخرجه البخاري (5219)، ومسلم (2130) من حديث أسماء رضي الله عنها. قال ابن بطال في شرحه على البخاري (7/346): " قال أبو عبيد: قوله: المتشبع بما لم يعط، يعنى المتزين بأكثر مما عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل، كالمرأة تكون للرجل ولها ضرة، فتتشبع بما تدعيه من الحظوة عند زوجها بأكثر مما عنده لها تريد بذلك غيظ صاحبتها وإدخال الأذى عليها، وكذلك هذا فى الرجل أيضًا، وأما قوله: كلابس ثوبى زور، فإنه الرجل يلبس ثياب أهل الزهد فى الدنيا، يريد بذلك الناس ويظهر من التخشع والتقشف أكثر مما فى قلبه، فهذه ثياب الزور والرياء. وفيه وجه آخر أيضًا: أن يكون أراد بالثياب الأنفس، والعرب تفعل ذلك كثيرًا، يقال: فلان نقى الثوب، إذا كان بريئًا من الدنس والآثام، وفلان دنس الثياب، إذا كان مغموصًا عليه فى دينه، ومنه قوله تعالى: (وثيابك فطهر). وقال أبو سعيد الضرير فى معنى قوله: كلابس ثوبى زور، هو أن يستعير شاهد الزور ثوبين يتجمل بهما ويتحلى بهما عند الحاكم، وإنما يريد أن يقيم شهادته، وقال بعض أهل المعرفة بلسان العرب: ولقوله: ثوبى، التثنية معنى صحيح؛ لأن كذب المتحلى بما لم يعط مثنى، فهو كاذب على نفسه بما لم يأخذ، وكاذب على غيره بما لم يبذل".اهـ وقال علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/2011): "وَقِيلَ: إِنَّمَا شَبَّهَ بِالثَّوْبَيْنِ لأن الْمُتَحَلِّي كَذَبَ كَذِبَيْنِ فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفَةٍ لَيْسَتْ فِيهِ وَوَصَفَ غَيْرَهُ بِأَنَّهُ خَصَّهُ بِصِلَةٍ فَجَمَعَ بِهَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ كَذِبَيْنِ". فاخلع عنك ثوبي الزور، وتب إلى الله التواب الغفور قبل أن يغلق باب التوبة عليك، وتحلَّل من حقوق العباد قبل يوم القصاص، فإني لك ناصح أمين.
ويكفيني أن أذكِّرك بشهادة إخوانك في أسيوط الذين استدعوك قريبًا لإقامة دورة علمية عندهم ظانين فيك العلم، فإذ بهم يفجأهم ضعفك العلمي الشديد في أغلب هذه العلوم، كما حدَّثوني بأنفسهم؛ لدرجة أن الحزبيين هناك عيَّروهم بهذا، فما وجدوا ردًّا عليهم، ومن هول المفاجأة جعلهم اتصلوا عليَّ يسألونني عنك، فأجبتهم في ذلك الوقت مقدِّمًا حسن الظن بك: إن أبا اليمين من إخواننا السلفيين نحسبه على خير إن شاء الله. لكن لما توالت منك هذه السفاهات عبر رسائل الجوال، والتي ختمتها بهذا المقال التالف، ألجأني هذا أن أفتش خلفك، فزادني إخوة أسيوط بيانًا بحقيقة أمرك، وقالوا على حد تعبيرهم: لقد وجدناه أشبه بالعوام.. يظل مدة يناقش مسألة ما مناقشة العوام، وإذا سئل عن مسألة علمية تتعلَّق بالعقيدة أو المنهج أو الحديث يتهرب من الإجابة، وإنما يجيب أحيانًا في مسائل الحلال والحرام فقط. وإن مقالك الضعيف هذا يؤكد صحة شهادتهم، وأنك لا تحسن شيئًا إلا التهارش والمنابذة لأهل الحق. وإن تبجحك بهذه الدعاوى السابقة يؤكد أنك لا تقصد بها النصيحة للإصلاح كما هو دأب العلماء، وإنما تقصد بها تتبع العورات والزلاَّت شفاءً لقلبك السقيم الذي امتلأ حقدًا وحسدًا وبغيًا. وقد قال الإمام الترمذي في جامعه (2032 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، وَالجَارُودُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَا: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ». قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: «مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ». قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، نَحْوَهُ، وَرُوِي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هَذَا. قلت: وأخرجه وأبو الشيخ في التوبيخ (90)، وابن حبان (5763)، وأحمد بن بهرام الحرمي في السابع عشر من الفوائد المنتقاة للحرمي (ق59)، ومحمد بن إسحاق الكلاباذي في معاني الأخبار (257)، من طريق الفضل بن موسى السِّيْنَانِيَّ به. وأوفى بن دلهم، قال أبو حاتم : لا يعرف ، و لا أدرى من هو . و قال النسائى : ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وحكم عليه الحافظ في التقريب أنه صدوق. وأما الذهبي فقد وثّقه في الكاشف، وذكره في ميزان الاعتدال كعادته في ذكر مَن مُسَّ بجرح في الميزان، وذكره أيضًا في تاريخ الإسلام ناقلاً توثيق النسائي فيه فقط. وللحديث شاهد من حديث أبي برزة الأسلمي، أخرجه أخرجه أبو داود (4880)، وأحمد (4/420)، والروياني (2/336)، وأبو يعلى (13/419)، وابن أبي الدنيا في الصمت (168)، وفي ذم الغيبة (28)، واللالكائي (1498)، وسمويه في فوائده (ص33)، والخرائطي في مكارم الأخلاق (427)، وفي مساوئ الأخلاق (198)، والبيهقي في الكبرى (10/247)، وفي الشعب (5/296)، وفي الآداب (108)، وفي الأربعون الصغرى (105)، والرافعي في التدوين (3/298)، والشهاب القضاعي في الحكم والآداب (865)، واللخمي في تاريخ إربل (8)، وابن عساكر في تبيين كذب المفتري (7، 427)، وفي تاريخ دمشق (26646)، وأبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه (87)، من طرق عن أبي بكر بن عياش عن الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ مرفوعًا بنحوه، وأبو برزة اسمه: نضلة بن عمرو. قلت: سعيد بن عبد الله بن جريج الأسلمي، هو مولى أبي برزة، قال أبو حاتم: مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب: صدوق ربما وهم. وأخرجه أحمد (4/421) من طريق قطبة عن الأعمش عن رجل من أهل البصرة، عن أبي برزة، فأبهم سعيدًا، وتابع قطبة: حفص بن غياث عند ابن أبي الدنيا في الصمت (169). وقد تابع أبا بكر بن عياش: ابن فضيل، أخرجه أبو الفتح بن أبي الفوارس في الجزء السابع من الفوائد المنتقاة (91)، وأبو الشيخ في التوبيخ (88). وأخرجه ابن أبي الفوارس في الجزء العاشر من الفوائد المنتقاة (152)، والمبارك بن أحمد اللخمي في تاريخ إربل (11)، من طريق فضيل بن عياض، عن أبان، عن سعيد به، وأبان هو ابن أبي عياش وهو متروك، وأخرجه أبو الشيخ في التوبيخ (89)، من طريق إسحاق بن سليمان عن عمران بن وهب، عن سعيد به، وعمران فيه ضعف كما في الجرح (6/306). وذكر هذه المتابعات الدارقطني في العلل (6/309)، وزاد عليها أن ثابت بن محمد رواه عن أبي بكر بن أبي عياش، عن الأعمش، عن سالِم بن أبي الجعد عن أبي برزة. ورُوي أيضًا بنحوه من حديث البراء، وابن عباس، وبريدة بأسانيد ضعيفة، أخرجها كلها أبو الشيخ في التوبيخ. والذي يظهر أن الحديث حسن لهذه الشواهد. والحديث في صحيح الجامع (3079). قال الخطيب البغدادي –رحمه الله- في "الكفاية" (ص39): " فِي هَذَا الْخَبَرِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ إِجَازَةَ الْجَرْحِ لِلضُّعَفَاءِ مِنْ جِهَةِ النَّصِيحَةِ لِتُجْتَنَبَ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ , وَلِيُعْدَلَ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِأَخْبَارِهِمْ؛ لأن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ لَمَّا ذَكَرَ فِي أَبِي جَهْمٍ» أَنَّهُ لَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَخْبَرَ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ , عِنْدَ مَشُورَةٍ اسْتُشِيرَ فِيهَا , لَا تَتَعَدَّى الْمُسْتَشِيرَ: كَانَ ذِكْرُ الْعُيُوبِ الْكَامِنَةِ فِي بَعْضِ نَقَلَةِ السُّنَنِ الَّتِي يُؤَدِّي السُّكُوتُ عَنْ إِظْهَارِهَا عَنْهُمْ وَكَشْفِهَا عَلَيْهِمْ إِلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَتَحْلِيلِ الْحَرَامِ , وَإِلَى الْفَسَادِ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ , أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَأَحَقَّ بِالْإِظْهَارِ , وَأَمَّا الْغِيبَةُ الَّتِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] وَزَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ, لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ» - فَهِيَ ذِكْرُ الرَّجُلِ عُيُوبَ أَخِيهِ يَقْصِدُ بِهَا الْوَضْعَ مِنْهُ وَالتَّنْقِيصَ لَهُ وَالْإِزْرَاءَ بِهِ فِيمَا لَا يَعُودُ إِلَى حُكْمِ النَّصِيحَةِ, وَإِيجَابِ الدِّيَانَةِ مِنَ التَّحْذِيرِ عَنِ ائْتِمَانِ الْخَائِنِ وَقَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ وَاسْتِمَاعِ شَهَادَةِ الْكَاذِبِ, وَقَدْ تَكُونُ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ لَهَا مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ قَائِلِهَا ففِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ, يَأْثَمُ قَائِلُهَا وَفِي حَالَةٍ أُخْرَى لَا يَأْثَمُ".
قلت: والظاهر ظهور الشمس في رائعة النهار أنك من الصنف الثاني، ولو كنت تريد الإصلاح لسلكت مسلك العلماء الناصحين في تعاملهم مع المخالفين الذين يظهرون السنة. فهذا شيخنا الربيع –حفظه الله ونفع بعلمه- لما وقف على بعض ضلالات وانحرافات عدنان عرعور، والمغراوي، وأبي الحسن المصري، وعلي الحلبي ناصحهم سرًّا سنوات وسنوات، وكاتبهم بأسلوبه المتأدب الرفيع عن سفاسف أمثالك، مبيِّنًا لهم الحكم الشرعي فيما خالفوا فيه راجيًا رجوعهم إلى الحق لا التشهير بهم والقضاء عليهم، أقول هذا تنزلاً معك بأن تهاويلك صادقة، وكما يقال: العينة بينة. فإن أول مسألة عقدية من تهاويلك على أخيك تثبت أنه ليس عندك شيء وأن ما بعدها أوهى منها، أو مثلها في تلبيس الحق بالباطل، كما سيأتي بيانه إن شاء الله. وإن تعجب فعجب أمرك في تصوير نفسك إمامًا متبحرًا في علم الحديث، وأنت لا تفرق بين القول المشتهرعلى الألسنة من أقوال العامة، وبين الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاختلط عليك هذا بذاك، ولم يتحمل بعض المنصفين من كتَّاب منتديات كل السلفيين جهلك هذا، فبادروا بالرد عليك، فقال أحدهم ردًّا على قولك: "كان لا مفرَ بعدُ معك من الكي ـ مع كَراهته شرعاً ، وكُرهي له طَبْعاً ـ إذْ هو آخر الأدواء كما صحت بذلك السنة النبيلة ..": "ليس بحديث إنما هو مَثَلٌ مشهور من أمثلة العرب، وله ألفاظ منها: (آخر الدواء الكي) و(آخر الطب الكي)، أما نسبتُهُ للنبي - صلى الله عليه وسلم- فلا يجوز، يُنظر: كشف الخفاء (1/14)، وفتح الباري (10/138)".اهـ
قلت: وأزيدك بيانًا: قال السخاوي في أول حديث استفتح به "المقاصد الحسنة" (1): "آخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ، كَلامٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ طُرُقِ الشِّفَاءِ يُعَالَجُ بِهِ، وَلِذَا كَانَ أَحَدَ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ النَّهْيُ عَنِ الْكَيِّ وُجُودُ طَرِيقٍ مَرْجُوِّ الشِّفَاءِ". وقال العجلوني في كشف الخفاء: " آخر الطب الكي". قال في الأصل: هو من كلام بعض الناس، وليس بحديث، والمراد أنه بعد انقطاع طرق الشفاء يعالج بالكي؛ ولذا حمل العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: "وأنهى أمتي عن الكي" على ما إذا وجد طريق غيره مرجو للشفاء، وقال القاري في موضوعاته الكبرى: والمشهور كما قال العسقلاني في أمثلة العرب: آخر الداء الكي، والمعنى: آخر الشفاء من الداء الكي".اهـ
وقولك: "أم أبدأ بذكر جهالاتك المنهجية ـ مع ادعائك كذباً إتقانك للمسائل المنهجية ـ ؟!!!".
فأقول: أيها الحاقد الحاسد المغمور المغرور لم أدعِ لنفسي شيئًا، إنما شهد بهذا كبار أهل العلم، وراجعوا مؤلَّفاتي المنهجية وأثنوا عليها وقرَّظوها، وشهد بهذا أيضًا مئات القرَّاء النابهين الذين انتفعوا –بفضل الله ومنته- بهذه المؤلَّفات في الشرق والغرب.وأقول لك ولأتباعك الجهال: { قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
وأما قولك: "هذا فضلاً عن مساؤك الأخلاقية، والتي رأيتُ منها، مع ما بلغني أيضًا عنك وصل عددها إلى أكثرية !".
قلت: شهادتك وشهادة أتباعك السفهاء مردودة لا وزن لها، وإنما تقبل شهادة العدول من أهل العلم وطلبته، والحمد لله كلهم يشهدون للعبد الفقير باستقامة خلقه ومنهجه، وأسأل الله العفو فيما قصَّرت فيه. ويكفيني أن أسرد للقارئ الفطن هذه الرسالة التي أرسلها أبو اليمين عبر الجوال إليَّ وإلى الشيخ الوالد حسن بن عبدالوهاب وإلى ولده عبدالوهَّاب؛ كي يدرك كل منصف سوء خلقه الذي يرمي به الأبرياء: كتب أبو اليمين: "والله الذي خلق السماوات والأرض لألبسنكم النقاب وأجلسكم في غرف نومكم لا تجرؤون على مغادرتها ولو إلى الكنيف لقضاء حاجتكم فضلاً عن أن تنزلوا منها لقضاء حاجتكم، فضلاً عن أن تنزلوا منها للصلاة مع جماعة المسلمين، وذلك بالحق لا بالأباطيل والكذب".
قلت: أيتفوه بهذا طالب علم شمَّ رائحة الأدب فضلاً عن رائحة العلم؟! أيقال هذا لمثل الشيخ الوالد حسن بن عبدالوهاب البنا الذي بلغ من العمر السابعة والثمانين –متَّع الله ببقائه-؟! وما ذنب ولده عبدالوهَّاب؟!! والجواب: إنه لعظيم سفاهتك أردت تأكيد إرسال الرسالة إلى الشيخ الوالد وذلك بإعادة إرسالها إلى ولده إمعانًا منك في إهانة الشيخ حسن –سلمه الله من كيدك-. لذلك صدق عليك قول الشيخ حسن –حفظه الله-، لما صدرت منك هذه السفاهة؛ حيث قال لي: أبو اليمين مضطرب .. عقله مضطرب. وهذا الصنيع منك تجاه الشيخ حسن يدل على لؤم وخبث طوية؛ حيث إن الشيخ حسن هو صاحب الأيادي البيضاء في الإحسان إليك خلال مرضك المدَّعى. وصدق من قال: إذا أكرمت الكريم تملكته، وإذا أكرمت اللئيم تمرد. ولما اتصل عليك بعض الأخوة حال ادعائك المعاناة من المرض، فوجئ بسوء خلقك في الرد عليه، وتعجب كيف يكون هذا الشخص مريضًا بمرض القلب، وأنه على وشك إجراء عملية جراحية خطيرة قد تودي بحياته، ورغم هذا يرد بهذا الأسلوب الفظ، مع أن المريض تفترض فيه رقة القلب. وأقول لك أيضًا يا من ترمي الأبرياء بداءك: أنسيت اشتراطك على أخوة أسيوط أن يحجزوا لك على طائرة داخلية من أجل إقامة دورة عندهم، ولما أتَوْك بسيارة فارهة مكيفة للانتقالات الداخلية استحقرتها وطلبت سيارة أحدث؟! وكما قال لي الأخ أحمد المسئول عن تنظيم هذه الدورة: وهذه الطلبات ما كانت ثقيلة علينا إذا كان يستحقها، ولكنا وجدناه لا علم عنده إلا قليلاً. واعلم أن سلوكك هذا يشبه سلوك علي الحلبي وأبي الحسن وأشباههما، وهم أصحاب السرقات الحسية –علمية ومادية-، وما أخالك إلا تلحق بهم. وما أخالك إلا تستخدم أخس الوسائل لإخفاء حقيقة أمرك عن طريق رمي غيرك بدائك، والانسلال منه كما تنسل الحيَّة من جلدها، ولكن ربك لك ولعصابتك المتسترة خلفك بالمرصاد، فلن تفلتوا. فأقول لك: ارْبَع على نفسك وارفق بها، ولا تهنها، لكن {وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}. ولو سلكت مسلكك في تتبع العورات لأخرجت لك ما لا قبَل لك به، لكن هذا المسلك مسلك المنافقين لا مسلك المؤمنين. وإنما ذكرت ما ذكرت حتى تفيق من الأوهام التي تعيش فيها، وتعلم قدر نفسك. فمن عجيب شأنك أنك ترميني بما أنت غارق فيه إلى أم رأسك، فصدق عليك قول من قال: رمتني بدائها وانسلت. فاتق الله في نفسك وفي إخوانك، وإلا لا تلومن إلا نفسك، ولا تكن كمن حفر قبره بيديه. وأرجو منك قبل أن تتصدى لهذا المقام العظيم أن تجلس تحت ركب العلماء؛ كي يعلموك أدب الإسلام مع إخوانك، وأن تدرس على أيديهم بديهيات طريقة الرد العلمي. فإن هذه النماذج السيئة التي تخرج لنا بين الفينة والأخرى على منتديات وصفحات الفتن في الشبكة العنكبوتية إنما نبعت من أناس يفتقرون إلى مجالسة العلماء والتخلق بأخلاقهم، فهم بحاجة إلى أدب وحلم وعلم.
وأما قولك: "أَتَذْكُرُ يوم أن قُلتَ أثناء شرحك ـ للأسف ـ لأحد الكتب العقدية، عند الكلام عن القُدرة لله عز وجل : "والله على ما يشاء قدير" كذا !!! فلما دُفعَ إلي بذلك التسجيل ، استعظمتُ صُدُورَ ذلك منكَ جداً ، وقُلتُ لبعضهم متعجباً : كيف يقول خالد بهذا القول ؟!!! ألا يعلم أن هذا القول منه هو قول أهل البدع من القدرية والأشاعرة وأهل الكلام وبعض المعتزلة ، ويَعْنُونَ بذلك " أن الله على ما يشاء قدير " ، أي أنه سبحانه وتعالى قدرته متعلقةٌ بما شاءه وليست متعلقة بما لم يشأه".
أقول: أولاً: إذا كنت صادقًا في استعظامك صدور هذا مني، فهذا يدل على إكبارك لي أن يصدر مني نحو هذا الخطأ المدَّعى، فلِمَ لم تبادر بالاتصال علي وتنبيهي عليه، أو على الأقل ترسل رسالة مؤدبة فيها تنبيه لطيف على هذا من باب الود والتناصح، فإن فعلت ذلك كنت لك شاكرًا، وذلك بدلاً من رسائل التهديد والسب والشتم.
وثانيًا: من أبسط قواعد النقد عزو كلام المنتَقَد إلى مصدره، ولكنك لقلة بضاعتك في هذا العلم عزوت كلامي إلى شرح مبهم. وأنا لا أذكر هذا الشرح الذي تدَّعي أني ذكرت فيه هذه العبارة، فرجاء أن تعيِّن لي هذا الشرح، ورقم الشريط، لنرى السياق الذي قيلت فيه هذه العبارة، مع التنزل معك أني قلتها.
وثالثًا: هذه العبارة قد وقعت في كلام بعض الأئمة والعلماء، لكن لم يقصدوا بها المعنى الباطل الذي عليه أهل البدع، فكان الواجب عليك من باب الأمانة العلمية أن تذكر هذا إن كنت ملِّمًا بكلام أهل العلم، وما أخالك إلا ملِّمًا بأقوال نفسك واجتهاداتك الضعيفة فقط. قال الإمام هبة الله اللاكائي –رحمه الله- في مقدمة كتابه "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (1/30): " وَنَسْأَلُ اللَّهَ دَوَامَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا مِنِ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَإِتْمَامِهَا عَلَيْنَا فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ، وَبِعِبَادِهِ لَطِيفٌ خَبِيرٌ". وقال ابن الملقن في "البدر المنير" (1/294): " اللَّهُمَّ انفعني بِهِ يَوْم الْقِيَامَة، يَوْم الْحَسْرَة والندامة، ووالدي، ومشايخي، وأحبائي، وَالْمُسْلِمين أَجْمَعِينَ، إِنَّه عَلَى مَا يَشَاء قدير، وَبِكُل مأمول جدير". وقال الإمام الألباني –رحمه الله- في الصحيحة (6/195) حين كلامه عن حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم في آخر أهل الجنة خروجًا منها: " دل قوله تعالى في آخر الحديث: "ولكني على ما أشاء قادر أو قدير " على خطأ ما جاء في التعليق على " العقيدة الطحاوية " (ص 20) نقلا عن بعض الأفاضل: " يجيء في كلام بعض الناس: وهو على ما يشاء قدير، وليس بصواب.. ". فأقول: بل هو عين الصواب بعد ثبوت ذلك في هذا الحديث، لاسيما ويشهد له قوله تعالى: * (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) * (الشورى: 29) وذلك لا ينافي عموم مشيئته وقدرته تعالى كما توهم المشار إليه، والله أعلم". وقال –رحمه الله- في موطن آخر مفصِّلاً لكلامه السابق ومستدركًا كما في المجلد السابع من الصحيحة (7/347): "(فائدة) : قوله: "ولكني على ما أشاء قادر- أو قدير- ": فيه دليل على جواز استعمال هذه الكلمة: "إن الله تعالى على ما يشاء قدير"، وقد كنت توقفت عنها حين علقت على قول الطحاوي في "العقيدة" (ص 20) : "ذلك بأنه على كل شيء قدير" كلمة للشيخ ابن مانع- رحمه الله- أن ذلك ليس بصواب، وأن الصواب ما في الكتاب والسنة (وهو على كل شيء قدير) لعموم مشيئة الله وقدرته.. إلخ كلامه.
ثم وقفت بعد ذلك على هذه الكلمة في هذا الحديث في "صحيح مسلم "، فخشيت- متأثراً بكلام الشيخ- أن تكون شاذة في الحديث؛ أو خطأ من بعض الرواة، فتريَّثت حتى يتسنى لي تخريجه والنظر في إسناده ورواته.
ثم كنت في ليلة من ليالي غرة شهر ذي الحجة في بعض مخيمات عمّان ألقي كلمة حول وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح؛ ووجوب قرن ذلك بالعمل، وبعد الفراغ منها فتحنا باب الأسئلة، فسأل أحد إخواننا الحاضرين- ويبدو أنه على شيء من العلم والثقافة- عن هذه الكلمة، مشيراً إلى تعليقي المذكور على "العقيدة الطحاوية "، وذكر- جزاه الله خيراً- بقوله تعالى: (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) [الشورى/29] ، فأجبته بأن الحديث بحاجة إلى تخريج وتحقيق، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يكون أصل الكلمة: "وأنا على كل شيء قدير" أو نحوها، فبادرت إلى تخريج الحديث، فوجدت أن الرواة عن حماد بن سلمة اتفقوا على اللفظ المتقدم. ثم تابعت البحث والتحقيق وجملة القول؛ أن هذه الجملة قد اختلف في ضبطها عن ابن مسعود رضي الله عنه على اللفظين السابقين: الأول: "ولكني على ما أشاء قادر". والآخر: "ولكني على ذلك قادر". واللفظ الأول أصح إسناداً كما هو ظاهر. لكن الآخر- مع صحة إسناده- مطابق لنص الآية تمام المطابقة: (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) . لأن المعنى: إذا يشاء ذلك الجمع، قال العلامة الآلوسي في "روح المعاني ": "و (إذا) متعلقة بما قبلها لا بـ (قدير) ؛ لأن المقيّد بالمشيئة جمعُه تعالى، لا قدرته سبحانه"...، إلى أن قال في (ص352): "
وجملة القول؛ أن هذه الجملة قد اختلف في ضبطها عن ابن مسعود رضي الله عنه على اللفظين السابقين: الأول: "ولكني على ما أشاء قادر". والآخر: "ولكني على ذلك قادر". واللفظ الأول أصح إسناداً كما هو ظاهر. لكن الآخر- مع صحة إسناده- مطابق لنص الآية تمام المطابقة: (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) . لأن المعنى: إذا يشاء ذلك الجمع، قال العلامة الآلوسي في "روح المعا ني ": "و (إذا) متعلقة بما قبلها لا بـ (قدير)؛ لأن المقيّد بالمشيئة جمعُه تعالى، لا قدرته سبحانه ". قلت: وعلى ضوء تفسيره للآية، نقول: إن اسم الإشارة في الحديث: "ذلك " يعود إلى ما أعطى الله عز وجل عبده من النعم الكثيرة التي لا يستحقها؛ فضلاً منه تعالى عليه، فلما قال ما قال مستكثراً ذلك عليه؛ قال تعالى: "ولكني على ذلك قادر"، فإذا فُسِّرَ بهذا اللفظ الأول أيضًا ولم يوقف عند ما فيه من مفهوم المخالفة، المشعر بأنه تعالى غير قادر على ما لا يشاء؛ على حد قوله تعالى: (لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة) ونحوه من المفاهيم التي قامت الأدلة القاطعة على أنها غير مرادة، إذا فسر هذا اللفظ الأول بهذا الذي دل عليه اللفظ الثاني؛ استقام المعنى، ولم يبق أي إشكال إن شاء الله تعالى. هذا ما عندي من علم، فإن أصبت؛ فمن الله، وإن أخطأت، فمني، وأستغفره تعالى من كل ذنب لي، ومن كان عنده فضل علم؛ فليتفضل به شاكرين له".اهـ
قلت: وقد فصَّل أيضًا في المسألة الإمام ابن عثيمين –رحمه الله-؛ حيث سئل–رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى والرسائل (3/81) س(437): عن قول الإنسان: "إن الله على ما يشاء قدير" عند ختم الدعاء ونحوه؟ فأجاب بقوله: هذا لا ينبغي لوجوه: الأول: أن الله تعالى إذا ذكر وصف نفسه بالقدرة، لم يقيد ذلك بالمشيئة في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، وقوله {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فعمم في القدرة كما عمم في الملك، وقوله: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فعمم في الملك والقدرة، وخص الخلق بالمشيئة؛ لأن الخلق فعل، والفعل لا يكون إلا بالمشيئة، أما القدرة فصفة أزلية أبدية شاملة لما شاء، وما لم يشأه، لكن ما شاءه سبحانه وقع، وما لم يشأه لم يقع، والآيات في ذلك كثيرة. الثاني: أن تقييد القدرة بالمشيئة خلاف ما كان عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأتباعه فقد قال الله عنهم: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، ولم يقولوا: "إنك على ما تشاء قدير"، وخير الطريق طريق الأنبياء وأتباعهم، فإنهم أهدى علما، وأقوم عملا. الثالث: أن تقييد القدرة بالمشيئة يوهم اختصاصها بما يشاؤه الله. تعالى فقط، لا سيما وأن ذلك التقييد يؤتى به في الغالب سابقا حيث يقال: "على ما يشاء قدير"، وتقديم المعمول يفيد الحصر كما يعلم ذلك في تقرير علماء البلاغة وشواهده من الكتاب والسنة واللغة، وإذا خصت قدرة الله تعالى بما يشاؤه، كان ذلك نقصا في مدلولها وقصرا لها عن عمومها، فتكون قدرة الله تعالى ناقصة حيث انحصرت فيما يشاؤه، وهو خلاف الواقع فإن قدرة الله تعالى عامة فيما يشاؤه، وما لم يشأه، لكن ما شاءه فلا بد من وقوعه، وما لم يشأه، فلا يمكن وقوعه. فإذا تبين أن وصف الله تعالى بالقدرة لا يقيد بالمشيئة بل يطلق كما أطلقه الله تعالى لنفسه، فإن ذلك لا يعارضه قول الله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} فإن المقيد هنا بالمشيئة هو الجمع لا القدرة، والجمع فعل لا يقع إلا بالمشيئة، ولذلك قيد بها فمعنى الآية أن الله تعالى قادر على جمعهم متى شاء، وليس بعاجز عنه كما يدعيه من ينكره ويقيده بالمشيئة، رد لقول المشركين الذين قال الله تعالى عنهم: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} فلما طلبوا الإتيان بآبائهم تحديا وإنكارا لما يجب الإيمان به من البعث، بين الله تعالى أن ذلك الجمع الكائن في يوم القيامة لا يقع إلا بمشيئته ولا يوجب وقوعه تحدي هؤلاء وإنكارهم كما قال الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} والحاصل أن قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} . لا يعارض ما قررناه من قبل؛ لأن القيد بالمشيئة ليس عائدا إلى القدرة، وإنما يعود إلى الجمع. وكذلك لا يعارضه ما ثبت في صحيح مسلم في كتاب "الإيمان" في "باب آخر أهل النار خروجا" من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آخر من يدخل الجنة رجل» ، فذكر الحديث، وفيه أن الله تعالى قال للرجل: «إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر»؛ وذلك لأن القدرة في هذا الحديث ذكرت لتقرير أمر واقع والأمر الواقع لا يكون إلا بعد المشيئة، وليس المراد بها ذكر الصفة المطلقة التي هي وصف الله تعالى أزلاً وأبدًا، ولذلك عبر عنها باسم الفاعل "قادر" دون الصفة المشبهة "قدير". وعلى هذا فإذا وقع أمر عظيم يستغربه المرء أو يستبعده، فقيل له في تقريره: إن الله على ما يشاء قادر، فلا حرج في ذلك، وما زال الناس يعبرون بمثل هذا في مثل ذلك، فإذا وقع أمر عظيم يستغرب أو يستبعد قالوا: قادر على ما يشاء، فيجب أن يعرف الفرق بين ذكر القدرة على أنها صفة لله تعالى، فلا تقيد بالمشيئة، وبين ذكرها لتقرير أمر واقع، فلا مانع من تقييدها بالمشيئة؛ لأن الواقع لا يقع إلا بالمشيئة، والقدرة هنا ذكرت لإثبات ذلك الواقع وتقرير وقوعه، والله سبحانه أعلم". قلت: والشاهد أن هذه العبارة ينبغي أن يُبحث عن السياق التي قيلت فيه، وعن مقصود قائلها، فإن كانت قيلت في تقرير واقع ما، فهذا الواقع بلا شك متعلِّق بالقدرة والمشيئة، فقدرته ومشيئته سبحانه صالحان لتقرير هذا الواقع، فلا غضاضة في قولها، مع اعتقاد القائل أن قدرته سبحانه المطلقة تتعلق بكل شيء، كما جاء في النصوص المطلقة، كما قال الشيخ السعدي في تفسيره: " {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ} أي: جمع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة {إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} فقدرته ومشيئته صالحان لذلك، ويتوقف وقوعه على وجود الخبر الصادق، وقد علم أنه قد تواترت أخبار المرسلين وكتبهم بوقوعه".
قلت: والشاهد أن الحكم على كل من تفوَّه بهذه العبارة بأنه يقرر بها عقيدة القدرية في نفي قدرة الله عمَّا لا يشاؤه سبحانه، يعد غلوًّا وتنطعًا، ولذلك خفَّف في الأمر العلامة محمد بن إبراهيم - رحمه الله تعالى – في جواب له في المسألة حيث قال: (الأولى أن لا يطلق. ويُقال: إن الله على كل شيء قدير؛ لشمولة قدرة الله عز وجل لما يشاؤه ولما لا يشاؤه) اهـ.
قلت: وأما من قصد قول المعتزلة ونحوهم من تقييد القدرة بالمشيئة، هذا يؤاخذ بقصده، والحمد لله لم يدر بخلدي هذه العقيدة الفاسدة وأبرأ إلى الله منها. قال الشوكاني في فتح القدير (4/616): "وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ أَيْ: حَشْرِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِجَمْعِهِمْ لَا بِقَدِيرٍ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي: وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ قَدِيرٌ إِذَا يَشَاءُ، فَتَتَعَلَّقُ الْقُدْرَةُ بِالْمَشِيئَةِ، وَهُوَ مُحَالٌ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: وَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ كَوْنِهِ مُحَالًا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْقُدْرَةَ تَتَعَلَّقُ بِمَا لَمْ يَشَأِ اللَّهُ مَشَى كَلَامُهُ، وَلَكِنَّهُ مَذْهَبٌ رَدِيءٌ لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ".
وأقول لك أخيرًا: الزم ثكنتك، وإن عدت إلى غيِّك كشفت مزيدًا من حقيقة أمرك، والبادي أظلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلَّم.
وكتب
أبو عبدالأعلى خالد بن محمد بن عثمان
انتهاء في عصر الأحد
25 شعبان 1433 هـ