الأقسام الشائعة



تلبيس الحدادية :
=========
(التلبيس الثالث)


حكم تارك الصلاة -تهاوُنًا-:
ذكر الشيخ محمد حسني القاهري في مقال له بعنوان " أخي قد جاوز الحداديون المدي " هذه المسألة فقال : 
لقد ذهب القوم في هذه المسألة إلى أن الحكم بإكفار تارك الصلاة هو الذي يجب القطع به، ولا يحل الالتفات لسواه، وأن إجماع الصحابة المنقول في ذلك حجة قاطعة، يجب الإلزام والالتزام بها، والخلاف في هذه المسألة خلاف حادث، غير محتمل ولا سائغ، فلا يجوز لأحد ألا يكفر تارك الصلاة -أصلا-، ولا يجوز له أن يأخذ بقول من لم يكفره من أهل السنة؛ لأنهم مخالفون لإجماع الصحابة، والذين أذاعوا الخلافَ وأشهروه إنما هم المرجئة -في الأصل-، فتأثَّر بهم من تأثَّر من فقهاء المذاهب، حتى صيَّروه خلافا معتبرا!!

وهذا الذي وَصَفْنَا من قولهم جهلٌ مبين، وإحداثٌ في الدين، ومخالفةٌ لسبيل المؤمنين، لا يستريب في ذلك أصاغر السلفيين.
وذلك أنه من المعلوم بالضرورة -لدى أهل العلم ومُتَفَقِّرِيهِ- أن تارك الصلاة مختَلَفٌ في حكمه بين أهل السنة -من لَدُنِ السلف الصالح إلى يوم الناس هذا-، وأن هذا الاختلاف من النوع السائغ المحتمل، الذي لا تشنيع فيه ولا تبديع، ولم يزل أئمة السنة والإسلام يَحْكُونَهُ ويقررونه، لا غضاضة في ذلك -عندهم- ولا نكير، ولا يذكرون فيه تبديعا ولا تشنيعا، فليس الذي يكفر تارك الصلاة -عندهم- بخارجيٍّ حروريٍّ، ولا الذي لا يكفره بمرجئٍ غَوِيٍّ.
ونصوصهم -في ذلك- معلومة مشهورة، لا تخفى على من له أدنى ملابسة لعلم الشريعة المطهرة؛ بل لم يزل صغار الطلاب يتعلمون في دراسة المتون: أن تارك الصلاة مختَلَفٌ في حكمه، وأن هذا الاختلاف في دائرة أهل السنة، لا يُثَرَّبُ فيه على من أخذ بالتكفير أو عدمه.
هذا هو المعلوم لدى الأئمة، والمقرر في دواوين الإسلام، لا يُحفَظ خلافه عن عالم -قَطُّ-.
وإنما أُتي القوم -في جهالتهم الكبرى هذه- من النظر فيما نُقل من إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على إكفار تارك الصلاة، فقالوا: هذا إجماع الصَّحْب الكرام، والإجماع حجة مُلزمة، فأي إلزام أقوى من الإلزام بإجماع الصَّحْب؟! وكل من خالفهم فهو مَخْصُومٌ بإجماعهم، فلا يحل تركه لخلافه.
فنقول([2]): أرأيتم من نقل الإجماعَ المذكورَ من العلماء؛ ماذا كان موقفهم منه؟!
هل عدُّوه من الإجماعات القاطعة، التي يكفر أو يفسق مخالفها؟!!
هل بدَّعوا من خالفه؟!! هل نَبَزُوه بالإرجاء؟!!
هل قالوا ما قلتم -رَجْمًا بالغيب، وطعنًا في الدين- من أن أصل النزاع في هذه المسألة إنما أتى من قِبَل المرجئة، ثم تأثَّر بهم من تأثَّر من فقهاء السنة؟!!
من سبقكم إلى هذا «التحليل»؟!! ومن سلفُكم في هذه الدعوى؟!!
أهذه سلفيتكم التي تدَّعون؟!!
ولا عجب! فهذا «حازميُّكم» (!) يدعو إلى «التحرر» (!) من أقوال العلماء، والنظر -مباشرة- في دلالة النصوص والآثار!!!
ويقول -من بعد ذلك-: هو سلفي!!!
وأصل الإشكال في هذه المسألة -وهو أصل شبهة القوم-: كيف يُجمِع الصحابة على شيء، ويُعَدُّ النزاع فيه معتبرا؟!
والجواب: أن الإجماع على قسمين: إجماع ضروري، وإجماع نظري.
فالإجماع الضروري هو الذي يكون في أصول الدين العظيمة، وقواعده الكبرى، ويُعرَف بألا يُنقَل فيه عن أهل السنة سوى قول واحد، يُطبق عليه أهل العلم، وينُصُّون على أنه السنة، وأن خلافه خلافٌ للسنة.
وهذا هو الذي وصفه الإمام الشافعي -رحمه الله- بقوله: «في جملة الفرائض التي لا يسع جهلها، وذلك الإجماع هو الذي لو قلتَ: «أجمع الناس»؛ لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك ليس هذا بإجماع، فهذه الطريق التي يُصدَّق بها من ادعى الإجماع فيها» اهـ([3]).
وأما إجماع يحكيه بعض أهل العلم، ثم يوجد من ينازع فيه، وتستمر حكاية هذا النزاع -بلا تشنيع ولا تبديع-؛ فكيف يكون الإجماع -حينئذ- ضروريا؟!! وهل يُعقَل إجماع ضروري ينازع فيه كثير من أهل العلم، ولا يُعقد عليه ولاء وبراء، ولا يُنسَب مخالفه إلى الكفر أو البدعة؟!!
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الفرق بين الإجماعَيْن في مواضع من كتبه، ومن كلامه في ذلك: «والإجماع نوعان: قطعي؛ فهذا لا سبيل إلى أن يُعلم إجماع قطعي على خلاف النص. وأما الظني؛ فهو الإجماع الإقراري والاستقرائي: بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافا، أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدا أنكره؛ فهذا الإجماع -وإن جاز الاحتجاج به- فلا يجوز أن تُدفع النصوص المعلومة به؛ لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها؛ فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف، وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي، وأما إذا كان يظن عدمه ولا يقطع به؛ فهو حجة ظنية، والظني لا يُدفع به النص المعلوم؛ لكن يُحتج به ويُقدم على ما هو دونه بالظن، ويُقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه، فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع؛ قدَّم دلالة النص، ومتى كان ظنه للإجماع أقوى؛ قدَّم هذا، والمصيب -في نفس الأمر- واحد» اهـ([4]).
وإذا نظرنا إلى المنقول من إجماع الصحابة على إكفار تارك الصلاة؛ فإننا لا نجده على سَمْتِ الإجماعات القطعية.
وذلك أن أقوى ما نُقل به هذا الإجماع: قول عبد الله بن شقيق المشهور: «كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يرون شيئا من الأعمال تركُه كفرٌ إلا الصلاة».
وراجع تحقيق الشيخ ربيع للأثر و أنه بلفظ: "قيل تركه كفر" _و الفرق بين اللفظين_ في مقاله الماتع: متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء وبمخالفة السنة وإجماع الصحابة على تكفير تارك الصلاة].

وخلاصته : أن الأثر المروى عن عبد الله ابن شقيق له روايتان . (إحداهما صحيحة) و هي بلفظ : "ما علمنا شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ". 
(والأخرى ضعيفة) وهي بلفظ : " لم يكن أصحاب رسول الله يرون شيئا من العمل تركه كفر إلا الصلاة " .


وهذا اللفظ -على التسليم بصحته- لا يفيد إجماعا قطعيا؛ فإن ابن شقيق لم يلحق من الصحابة إلا نفرا يسيرا، وكلهم ممن تأخرت وفاتهم -كأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر. 
- فلعله استقرأ أقوال من أدركهم من هؤلاء، ولم يعلم مخالفا لهم، فحكاه إجماعا للصحابة، ولعله أطلق الكُلَّ وأراد البعض -وهذا شائع في النصوص الشرعية ولسان العرب. 
- ولعله أخذه عن تابعي أو صحابي يتطرق إليه من الاحتمال مثلُ ما ذكرنا؛ وهَلُمَّ جَرًّا.


فبهذه التوجيهات -ونحوها- ساغ أن يكون في المسألة خلافٌ معتبرٌ، وساغ أن يقول كثير من أهل السنة بعدم كفر تارك الصلاة، وساغ ألا يُعَدُّوا بذلك من أهل البدع أو المتأثِّرين بهم.
وكم من مسألة نُقِل فيها إجماع الصحابة -على الشاكلة التي شَرَحْنَا-، وكان النزاع فيها مشهورا معتبرا، لا تبديع فيه ولا تشنيع؛ وهذا معروف لدى أهل العلم وطلابه .
وأما أن يُقال: إن إجماعَ الصحابة على كفر تارك الصلاة إجماعٌ ضروريٌّ قطعيٌّ -بمنزلة الإجماع على إثبات الصفات والقدر ونحو ذلك-؛ فهذا قولُ مَن تَخَبَّطَهُ شيطانُ الجهل والضلال مِن المَسِّ!! 
وهذا اتهامٌ لقرون مضت من الأئمة: إما بالبدعة، وإما بالغفلة!! 
فيا لله! أَيَغِيبُ الحقُّ عن مثل هؤلاء، ويَظْفَرُ به «جُهَنِيٌّ» (!) و«غامِدِيٌّ» (!) وأشكالهما في خُلُوف الزمان؟!!
فها أنت ترى ما صنع القوم -هداهم الله-، وما أَتَوْا به من المسلك الحداديِّ البيِّن؛ إذ جعلوا النزاع المعتبر غيرَ معتبر، وشنَّعوا وبدَّعوا في مواطن الاجتهاد، مخالفين -في ذلك- ما عليه أهل العلم، ومُنْسَلِخِين من طريقتهم...
فالحذر الحذر أيها السلفيون من هؤلاء وأمثالهم !! والحذر الحذر من الخلايا النائمة !! فهناك مَن هو على شاكلة هؤلاء ولـكـنه صامت مخادع يُخَدِّر ضحاياه في انتظار اللحظة المناسبة لِـبَثِّ سمومه في قلوبهم .
فاحذر -أخي في الله- 
من كل حدادي خبيث متخفي كالعقرب تخفي جسدها وتظهر ذنبها !! 
ولا تتجاوب مع أصحاب الشبهات ، و فِـرَّ منهم فِرارك من المجذوم ، وأعلم أن القلوب ضعيفة والشبه خطافة والدين ليس لمن غلب ، واحرص على صحبة الصالحين من أهل السنة الأثبات الثقات ، وكن على قُربٍ من العلماء ما استطعتَ إلى ذلك سبيلاً ، ولو أُلْقِيَتْ عليك شبهة ولم تجد لها جوابًا لقلة علمك أو ضعف استحضارك فلا تتردد في عرضها على أهل العلم -ولو بواسطة الهاتف- وستعلم حينئذٍ أنها وَهْمٌ كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً … وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلّم
أعد هذه السلسلة وكَـتَبَهُا / حسن محمد الصاوي – عفا الله عنه