تلبيس الحدادية
=========
(التلبيس الثاني)
- مسألة ترك جنس العمل -
لا شك أن لفظة جنس العمل ليست من كلام السلف , اقصد المتقدمين منهم , وهي
أيضاً من الألفاظ التي تحتمل حق وباطل فهي موهمه فينبغي تركها وعدم التعلق
بها ناهيك عن امتحان طلبة العلم بها ..
وبيان إيهامها كالأتي :
*
إن كان المراد بها ترك كل العمل , بحيث انه لم يعمل عملا صالحا قط مع تمكنه
من العمل – مع أن هذه المسالة تخيلية محضة – إذ لا يتصور من مسلم شهد أن
لا اله إلا الله وان محمد رسول الله وعمر بعدها زمنا ثم لم يعمل عملا صالحا
أبداً , وذلك لتلازم عمل القلب مع عمل الجوارح قال رسول الله صلي الله
عليه وسلم " ... ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت
فسد الجسد كله ألا وهي القلب " ومع ذلك فأهل السنة مجمعون علي أن من كان
هذا حاله فلا شك انه كافر زنديق ...
أما إن كان مقصود قائلها ترك شيء
من العمل أو معظمه أو ترك أركان الإسلام بعضها أو كلها غير الشهادتين فهذا
لا شك انه علي خطر ولكن لا نقول انه كافر وإنما أمره إلي الله إن شاء عذبه
وان شاء غفر له .
وهذا ما يقوله علماء أهل السنة قديما وحديثاً .
إذن الفرق بينهما واضح فتنبه !! فان الحدادية ما خدعوا من خدعوا إلا بالخلط بين الصورتين ..
- أما الحدادية فيتمسكون بلفظة جنس العمل ويدندنون حولها ولا يبينون
مقصودهم منها , ففرقوا بذلك أهل السنة وأوقعوا بينهم العداوة , فرأينا من
يرمي أخاه بالإرجاء لأنه لم يقل بها – والأخر يرميه بأنه وافق الخوارج لأنه
قال بها !!! وحسبنا الله ونعم الوكيل
وقد ينقلون عن بعض علماء أهل السنة هذه اللفظة ويقولون هذا الشيخ الفلاني يقول بجنس العمل فهل هو حدادي ؟؟
والجواب : أننا ننكر الخطأ من أهل العلم ونرده ولا نتنقصهم فنقول إن هذه
اللفظة لم ترد في كتاب ولا سنة ولم تعرف من أقوال الصحابة رضوان الله عليهم
أجمعين وهذه عقيدتنا نقولها مع كل أهل العلم فما منهم إلا ويأخذ من قوله
ويرد عليه .. لما اخطأ الألباني في قوله العمل شرط كمال قلنا اخطأ في اللفظ
ولا يتابع في خطئه واعتذرنا له بما يناسب قدره ومكانته بين أهل العلم
وكذلك من قال العمل شرط صحة قلنا اخطأ وهكذا ... وهذا باب عظيم وهو بيان
زلات العلماء وموقف أهل السنة منها .
بخلاف الحدادية فإنهم لا يقولون اخطأ وإنما يقولون وافق !! ثم يتترسون ويتوارون خلف مديحه بعد أن جرحوه ونسبوه للبدعة..
فعل اليهود الملاعيين ..
سئل العلامة بن العثيمين رحمه الله :" تارك جنس العمل كافر. تارك آحاد العمل ليس بكافر " ما رأيكم في ذلك ؟
فقال : من قال هذه القاعدة؟! من قائلها؟! هل قالها محمد رسول الله؟! كلام
لا معنى له نقول: من كفره الله ورسوله فهو كافر ومن لم يكفره الله ورسوله
فليس بكافر هذا الصواب. أما جنس العمل أو نوع العمل أو آحاد العمل فهذا كله
طنطنة لا فائدة منها.
ومعلوم عند أهل العلم المحققين : أن كل قول لم
يقله السلف وأحدث خلافاً وافتراقاً في الأمة ، فإنه ليس من الدين ، ويتحتم
تركه حتى تجتمع الكلمة وتأتلف القلوب "
ويقول الشيخ ربيع في مقال له
بعنوان ". كلمة حق حول جنس العمل " في هذه الأيام كتب أخونا حمد بن عبد
العزيز العتيق مقالاً تحت عنوان " تنبيه الغافلين إلى إجماع المسلمين على
أن ترك جنس العمل كفر في الدين". فشرعت في قراءته إلى أن وصلت إلى الصحيفة
الخامسة فإذا فيها :
"الفصل الثالث: ترك جنس العمل كفر أكبر : المبحث الأول : صورة المسألة :
هي في رجل نطق بالشهادتين ثم بقي دهراً لم يعمل خيراً مطلقاً لا بلسانه
ولا بجوارحه ولم يعد إلى النطق بالشهادتين مطلقاً مع زوال المانع .
فقلت -أي الشيخ ربيع-: إن كان المراد بجنس العمل هذه الصورة فإني لا أتردد
ولا يتردد مسلم في تكفير من هذا حاله وأنه منافق زنديق إذ لا يفعل هذا من
عنده أدنى حد للإيمان.
لكني لا أحب للسلفيين التعلق بلفظ "جنس العمل" لأمور:
أولها: أنه لفظ مجمل يحتمل هذه الصورة ويحتمل غيرها وهو ما يريده التكفيريون.
ثانيها: كما قال أخونا حمد العتيق : " إنها مسألة غير عملية بمعنى أنه لا
يمكن أن يقال : إن هناك زيداً - من الناس – قد شهد أن لا إله إلا الله وأن
محمداً رسول الله ، ولم يعمل بعدها خيراً قط ، فإن هذا النفي المطلق لا
يمكن لأحد إلا الله أن يحيط به " ، والأمر كما ذكر الأخ حمد .
ثالثها:
دندنة التكفيريين حوله لمقاصد سيئة منها رمي أئمة السنة بالإرجاء , فمن لا
يكفر تارك الصلاة عندهم مرجئ أو أتي من شبهة الإرجاء ، ومن لا يكفر الحاكم
الذي يحكم بغير ما أنزل الله تكفيراً مخرجاً من الملة فهو مرجئ وإن فصل على
طريقة السلف وإن قال بكفر تارك الصلاة .
رابعها: من أجل ما في هذا
اللفظ من الإجمال المشار إليه سلفاً يقع من إطلاقه من اللبس على كثير من
الناس، و لما يوقع من الخلاف بين أهل السنة والشحناء والفتن بينهم ، ترجح
لي أنه يجب الابتعاد عنه ، لأن الجنس قد يراد به الواحد وقد يراد به الكل
وقد يراد به الغالب ، ومن هنا إذا دندن حوله السلفيون حصل بينهم الخلاف
الذي يريده التكفيريون وتكثروا بمن يقول به منهم، فيقولون هذا فلان السلفي
يقول بتكفير تارك جنس العمل فيجرون الناشيء إلى مذهبهم في تكفير الحكام على
منهجهم وإلى رمي علماء السنة بالإرجاء ... اهـ.
ويتبقى في هذا المبحث مسألة وهي :
ما هو توجيه حديث الشفاعة المشهور وقد جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم أن
الله يخرج أناسا من النار : " لم يعملوا خيرا قط " ويدخلهم الجنة , وفي
رواية " فيقول أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه
و لا خير قدموه فكيف نجمع بين قوله " لم يعملوا خيرا قط " , وقوله " بغير
عمل عملوه ولا خير قدّموه " , وبين إجماع السلف الصالح على كفر تارك العمل
بالكليّة ؟؟!
الجواب :
أن هذه الألفاظ خرجت مخرج الأكثر والغالب من
حال هؤلاء , والذي ترك الصلاة والزكاة وعامّة الفرائض , هذا فاسق فاجر
شديد الفسق ويُخشى عليه من الكفر وسوء الخاتمة , فلا عجب أن يُطلق الشارع
الحكيم فيه القول بأنه لم يعمل خيرا قط , أي في غالب أحواله وأكثرها لم
يعمل خيرا قط , مع تلبسه بجميع أنواع المعاصي والآثام وإصراره عليها طوال
حياته ! حتى يموت , ولكن هذا النفي لا يلزم منه نفي جنس الأعمال الصالحة
مطلقا ! , فلا تعارض بين هذا الحديث وأمثاله , وبين إجماع السلف الصالح على
كفر تارك العمل بالكلية .وهذا الذي قرّرته ليس غريبا على لغة العرب ,
وإطلاق التعميم – لغة وشرعا - لا يُراد به الكل دائما ، وإنما قد يراد به
الغالب والأكثر أحيانا , كما هو معلوم .وهذا حديث رواه الإمام النسائي رحمه
الله :من رِوَايَة أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ
خَيْرًا قَطُّ وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ خُذْ مَا
تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ
يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ
هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ قَالَ لَا , إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ
وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ
خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ
يَتَجَاوَزُ عَنَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ "صحّحه
الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن النسائي
.يُستفاد من هذا الحديث
أن قوله " لم يعمل خيرا قط " لا يستفاد منه نفي جميع الأعمال الصالحة عنه
بالكلّية مطلقا ! , بدليل أن الرجل كان يتجاوز عن المعسر ويتصدق عليه ,
وهذا من أعظم القربات والأعمال الصالحة ,
ومع ذلك قيل فيه أنه " لم
يعمل خيرا قط " , فاعرف هذا واحفظه فإنك قد لا تجده في مكان آخر .وفيه أيضا
بيان أن الرجل الفاسق مع فسقه الشديد , وتركه لأعمال الجوارح من صلاة
وصيام وزكاة وغير ذلك , لابد أن يكون معه شيئ من عمل الجوارح وإن كان قليلا
جدا لا يكاد يُذكر , ولكن لا بد منه طالما أن أصل الإيمان القلبي معه ,
وإن كان هو – أي الإيمان في قلبه - أيضا ضعيف جدا , لا يكاد يُذكر مثل عمله
الظاهر تماما سواء بسواء , وهذا هو الذي قرره أئمة السلف والخلف , فما
أحكمهم وأعلمهم !
فتأمّل هداك الله للرشاد
اخوكم حسن ابوالصاوي