الأقسام الشائعة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد :

فإنّ مشابهة منهج الحدادية لمنهج المعطلة في معاملة نصوص الكتاب والسنة وأقول أهل العلم واضح لكل من تتبع أقوالهم ومقالاتهم !
فإنّ المعطل يقوم في ذهنه التمثيل أولا ثم يسعى لتنزيه الله – بزعمه - من مماثلة خلقه فيقع في التعطيل ، ولا يستقيم له التعطيل إلا بعد التمثيل.
فجمعوا بين بدعة التعطيل وبدعة التمثيل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية [ مجموع الفتاوى / (5 / 27) ] : " وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع بين التعطيل والتمثيل ، أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات ; فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل مثلوا أولا وعطلوا آخرا "

وهكذا الحدادية اليوم فقد جمعوا بين بدعة المرجئة وبدعة الخوارج ،فقد فهموا من حديث الشفاعة الذي جاء بإخراج من لم يعمل خيرا قط أنّه يدل بظاهره على نفي أصل أعمال القلوب!
وهذا هو فهم المرجئة الغلاة لمثل هذا الحديث وأحاديث فضل لا إله إلا الله كما بيّن ذلك الإمام ابن خزيمة – رحمه الله – في كتاب التوحيد كما سيأتي النقل عنه.

والحدادية أرادوا إلزام أهل السنة بلازم باطل فقالوا :
بما أنّكم أخرجتم أعمال القلوب من عموم النفي الوارد في لفظة " لم يعملوا خيرا قط " بنصوص أخرى ، لزمكم أن تخرجوا أعمال الجوارح من عموم النفي بنصوص أخرى أيضا.

ونتيجة لهذا الفهم السقيم لأحاديث الشفاعة صار عند الحدادية خلط وخبط ، فصاروا يرمون أهل العلم القائلين بإسلام تارك أعمال الجوارح قديما وحديثا بالإرجاء والتجهم وحتى الكفر !

ومنهم من كفّر ببعض المستحبات لكي تسلم له مسألة "جنس العمل" المحدثة!

وإليك بعض أقوال غلاة الحدادية التي قرروا فيها فهم غلاة المرجئة لأحاديث الشفاعة :

- قال أحمد بن عمر الحازمي في [ شرح العقيدة الواسطية / الشريط 40 ] :
(( هذه أشكلت على بعض المتأخرين «لم يعملوا خيرًا قط» إذًا العمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان وهذا باطل لماذا؟ لأن هذا النص عامٌ، وكل نصٍ خاص حينئذٍ يُخصص ماذا؟ يخصص هذا اللفظ «لم يعملوا خيرٌ قط» لم يصلوا. إذًا دخلوا النار ولم يصلوا نقول: لا، حينئذٍ يُستثنى ماذا؟ يُستثنى كل ما دل النص على أنه لو تركه يكون خالدًا مخلدًا في النار فلا يخرج من النار.
إذًا لا يصلح أن يكون هذا العموم السند لنفي الأعمال التي ترتب على تركها الكفر والخلود في النار كترك الصلاة فلا يُستدل به على أن تارك الصلاة لا يكفر لأن الله تعالى قال «لم يعملوا خيرًا قط» إذًا لم يصلوا ولم يزكوا ولم يصوم .. إلى آخره. نقول: لا، لا يدل على ذلك لماذا؟ لأن هذا نصٌ خاصّ وهذا لفظٌ عام، «لم يعملوا خيرًا قط» ولذلك «لم يعملوا خيرًا قط» حتى التوحيد، لو أردنا على لفظه على ظاهره حتى التوحيد لم يقولوا: لا إله إلا الله. ومع ذلك أخرجه من النارإذًا بعض من لم يُوحد أخرجه الله تعالى من النار، هذا مخالفٌ للإجماع.
فنخص النص بماذا؟ بالإجماع. والنصوص كذلك فإذا خصصناه بالتوحيد خصصناه بالصلاة ولا إشكال في ذلك)).

- قال عماد فرّاج كما في مقال [منزلة العمل من الإيمان] في معرض كلامه على حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- في الشفاعة :
(( أولًا: هذا الحديث ونظائره فيه إجمال أو إبهام، والموفق هو الذي يجمع عامها وخاصها، ومطلقها ومقيدها، ومجملها ومفصلها، ومن لم يفعل ذلك لا يحل له أن يتكلم في دين الله.
ثانيًا: هذا الحديث ظاهره يفيد أن هؤلاء الذين يُخرجون من النار (من غير عمل عملوه ولا خير قدموه" ليسوا من أهل التوحيد، يدل على ذلك أمران:
-الأول: قوله: "لم يعملوا خيرًا قط" وهذا نفي لأعمال الجوارح وأعمال القلوب.
-الثاني: لم يٌذكر في الحديث أنهم قالوا: لا إله إلا الله. ولهذا احتج بعض أهل البدع بهذا الحديث على إخراج غير المؤمنين من النار.
فإن قالت المرجئة: بل لا بد -مع التوحيد- من عمل القلب. قلنا لهم: من أين لكم ذلك؟ فإن قلتم: بدلالة النصوص الأخرى. قلنا: وكذلك نحن؛ اشترطنا العمل بدلالة النصوص الأخرى. فظاهر الحديث مشكل، لذا لا يمكن القول به إلا مع مراعاة الأدلة الأخرى)).

- قال عبد الله الغامدي في مقال [استدلالات الدكتور ربيع في مسألة تارك العمل] :
((الدكتور ربيع ينسب لطائفة من أهل السنة القول بأن تارك العمل بالكلية ليس بكافر واستدل بالأدلة التالية التي يثبت من خلالها ماادعاه
-"الاستدلال بحديث الشفاعة
-والاستدلال بحديث البطاقة
-والاستدلال –أيضا - بأحاديث لاإله إلا الله المطلقة "
وأنا أسأل طالب العلم المنصف هل هذه الاستدلالات لأهل السنة أم للمرجئة ؟)).

فالغامدي يرى أنّ هذه النصوص هي أدلة المرجئة لأنّه ما فهم منها إلا ما فهمه المرجئة.
ولقد اتَّـهم الغامديُّ الشيخ ربيعاً بأنه يفهم النصوص فهم المرجئة والجهمية ، فعلّق الشيخ ربيع – حفظه الله- كما في مقال [الحجة الدامغة لأباطيل وأصول الحدادية التي يتشبث بها عبد الله بن صوان الجهول/ هامش (3)] قائلا:
" أنت وحزبك ممن يفهمون النصوص النبوية فهم المرجئة والجهمية ".

- قال أبو عبد الله يوسف الزاكوري في كتابه [جناية الشيخ ربيع على أحاديث الشفاعة نصرة للإرجاء] والذي قدّم له عبد الله صوان الغامدي (( وأما احتجاج ربيع بقوله صلى الله عليه وسلم: "هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه"، فليس فيه دليل على أنَّ تارك الصلاة مسلم، وإلا يلزم ربيعاً أن يقول بإسلام من لم يعمل بقلبه عملاً، ومنه الإخلاص في التوحيد، إذ ليس في ظاهر الحديث أنَّ هؤلاء العتقاء معهم شيء من إيمان القلب، ولا مثقال ذرة من خير، ولم يعملوا خيرا قط، لا بجوارحهم ولا بقلوبهم، كما يفيده تدرج الحديث.
فإن التزم ربيع هذا فهو باطل.
وإن قال: دلَّت النصوص الأخرى على وجوب عمل القلب.
أجبنا بنفس جوابه، وهو دلالة النصوص الأخرى على وجوب عمل الجوارح؛ ومنه الصلاة.
ومنه يظهر مدى جناية ربيع على حديث أبي سعيد رضي الله، ومقدار دعواه دمغ الحديث لمن سماهم بالحدادية الغلاة!)).

- قال أحد أعضاء منتدى الآفاق الحدادي معلقاعلى كلامٍ للغامدي :(( ظواهر هذه الأحاديث أن هؤلاء يخرجون و يعتقون من النار بالتصديق المحض (بلا عمل و لا قول ) فعلى هذا فالإيمان بهذا الفهم الجهمي هو المعرفة كما صرحت به الجهمية المحضة و كما عليه المرجئة المتكلون = الأشاعرة فيكفي التصديق الباطن في الخلوص من العذاب و قد ذكر شيخ الاسلام أن الأشعري نصر قول جهم في الإيمان كما في الايمان الكبير !!
و من كان على هذا المعتقد القبيح ففي تكفيره (لا تبديعه!!) روايتان عن أحمد و السلف و انظر الصارم المسلول ..
النوع الثاني في هذه الأحاديث أنهم يخرجون بالقول فقط (بل ذهب الألباني عياذا بالله إلى أنهم يخرجون بقول لا إله إلا الله يوما من الدهر فقط بلا ضميمة !!) و القول بأن الايمان هو القول مذهب الكرامية المرجئة ..!!
فالحاصل أن الدجال ربيعا المدخلي متأرجح بين الجهمية المتكلمة و الكرامية ،فلا هو تمسك بظواهر هذه الأدلة -في فهمه المنكوس- و لا جمع بين الأدلة كما اهتدى له السلف و الخلف و ما هو من المرجئة ببعيد !!!)).

وقد ردّ على أمثال هؤلاء الإمام ابن خزيمة رحمه الله كما في كتاب التوحيد [ 2/ 693] قال : ((باب: ذكر خبر روي عن النبي في إخراج شاهد أن لا إله إلا الله من النار؛ أفْرَقُ أن يسمع به بعض الجهال فيتوهم: أنَّ قائله بلسانه من غير تصديق قلب يخرج من النار جهلاً وقلة معرفة بدين الله وأحكامه، ولجهله بأخبار النبي مختصرها ومتقصاها، وإنا لتوهم بعض الجهال أنَّ شاهد لا إله إلا الله من غير أن يشهد أنَّ لله رسلاً وكتباً وجنة وناراً وبعثاً وحساباً يدخل الجنة أشد فرقاً؛ إذ أكثر أهل زماننا لا يفهمون هذه الصناعة ولا يميزون بين الخبر المتقصي وغيره، وربما خفي عليهم الخبر المتقصي، فيحتجون بالخبر المختصر، يترأسون قبل التعلم، قد حرموا الصبر على طلب العلم، ولا يصبروا حتى يستحقوا الرئاسة فيبلغوا منازل العلماء)).

وقال كما في كتاب التوحيد[ 2/ 696]: ((باب: "ذكر البيان أنَّ النبي يشفع للشاهد لله بالتوحيد؛ الموحِّد لله بلسانه إذا كان مخلصاً ومصدِّقاً بذلك بقلبه، لا لمن تكون شهادته بذلك منفردة عن تصديق القلب")).

وقال: ((باب: ذكر خبر دال على صحة ما تأولتُ: إنما يخرج من النار شاهد أن لا إله إلا الله إذا كان مصدِّقاً بقلبه بما شهد به لسانه؛ إلا أنه كنَّى عن التصديق بالقلب بالخير، فعاند بعض أهل الجهل والعناد وادَّعى أنَّ ذكر "الخير" في هذا الخبر ليس بإيمان، قلة علم بدين الله وجرأة على الله في تسمية المنافقين مؤمنين)).

وقال كما في كتاب التوحيد [ 2/ 702 - 703] : ((باب: ذكر الأخبار المصرحة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال إنما يخرج من النار مَنْ كان في قلبه في الدنيا إيمان، دون مَنْ لم يكن في قلبه في الدنيا إيمان ممن كان يقر بلسانه بالتوحيد خالياً قلبه من الإيمان، مع البيان الواضح: أنَّ الناس يتفاضلون في إيمان القلب ضد قول من زعم من غالية المرجئة أنَّ الإيمان لا يكون في القلب، وخلاف قول من زعم من غير المرجئة أنَّ الناس إنما يتفاضلون في إيمان الجوارح الذي هو كسب الأبدان؛ فإنهم زعموا: أنهم متساوون في إيمان القلب: الذي هو التصديق، وإيمان اللسان: الذي هو الإقرار، مع البيان أنَّ للنبي شفاعات يوم القيامة على ما قد بينتُ قبل، لا أنَّ له شفاعة واحدة فقط)).

فبيّن – رحمه الله – أنّ غلاة المرجئة هم من يفهمون من أحاديث الشفاعة انتفاء أعمال القلوب عن العتقاء!
وبيّن -رحمه الله- أنّ أعمال القلوب والتوحيد أُخرجت من النفي بأحاديث الشفاعة المقتصية وليس بنصوص أخرى ،حيث أنّ الأخبار الواردة في أحاديث الشفاعة منها المقتصي ومنها المختصر ، ثم قال:((إذ أكثر أهل زماننا لا يفهمون هذه الصناعة ولا يميزون بين الخبر المتقصي وغيره، وربما خفي عليهم الخبر المتقصي، فيحتجون بالخبر المختصر، يترأسون قبل التعلم!)).
وبناءً عليه فإنّ  النفي في قوله " لم يعملوا خيرا قط "   ليس عاما ،فالخير الذي في القلب لا يشمله النفي في هذه اللفظة ، وإخراج من قال لا إله إلا الله لا يعني بها مجرد القول دون أن يعتقد بقلبه.

ولهذا قال بعدها [التوحيد2/ 732]: ((هذه اللفظة: "لم يعملوا خيراً قط" من الجنس الذي تقوله العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: لم يعملوا خيراً قط على التمام و الكمال، لا على ما أُوجب عليه وأُمر به، وقد بينتُ هذا المعنى في مواضع من كتبي)).
أي أنّ هذا النفي ليس على عمومه في نفي أعمال القلوب عن العتقاء.
وليس معنى قوله : ((هذه اللفظة: "لم يعملوا خيراً قط" من الجنس الذي تقوله العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام )) الرد على من قال بنجاة تارك أعمال الجوارح كما فهمه البعض ،كيف يقول الإمام ابن خزيمة هذا وهو الذي صرح بتوحيد من لم يعمل من الأعمال الصالحة شيئاً؟!
قال – رحمه الله - [التوحيد 2/ 765]: ((باب: ذكر البيان أنَّ النار إنما تأخذ من أجساد الموحدين وتصيب منهم على قدر ذنوبهم وخطاياهم وحوباتهم التي كانوا ارتكبوها في الدنيا، مع الدليل على ضد قول من زعم ممن لم يتحر العلم ولا فهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ النار لا تصيب أهل التوحيد ولا تمسهم وإنما يصيبهم حرها وأذاها وغمها وشدتها، مع الدليل على أنه قد يدخل النار بارتكاب المعاصي في الدنيا إذا لم يتفضل الله ولم يتكرم بغفرانها من كان في الدنيا يعمل الأعمال الصالحة من الصيام والزكاة والحج والغزو؛ وكيف يأمن - يا ذوي الحجا - النار من يوحِّد الله ولا يعمل من الأعمال الصالحة شيئاً؟!)).

فليرضى الحدادية بفهم المرجئة لهذه الأحاديث ويستروا عوراتهم أو يمسكوا عن اتهام أهل السنة  بما هم منه براء! 

والله الموفق.


وكتب :
أبو أسامة عبد السلام