الأقسام الشائعة


إتحاف النبلاء ببيان براءة الألباني من الإرجاء
ودحض افتراءات الحدادية الجهلاء

قــال الإمام الألبانــي - رحمــه الله تعالــى - :
« والفئة الثانية : نابتة نبتت في هذا العصر ؛ لم يؤتوا من العلم الشرعي إلَّا نزرًا يسيرًا ، وبخاصة ما كان منه متعلقًا بالأصول الفقهية ، والقواعد العلمية المستقاة من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح ، ومع ذلك اغتروا بعلمهم فانطلقوا يبدِّعون كبار العلماء والفقهاء ، وربما كفَّروهم لسوء فهم ، أو زلة وقعت منهم ، لا يرقبون فيهم ( إلَّا ولا ذمة ) ، فلم يشفع عندهم ما عُرفوا به عند كافة العلماء من الإيمان والصلاح والعلم([1]) » .اهـ
 
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) [آل عمران : 102] .
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) [النساء : 1] .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) [الأحزاب : 70 - 71] .
أمَّا بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وأحسن الهدْيِ هَدْيُ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشرَّ الأمور محدثاتها ، وكُلَّ محدثة بدعة ، وكُلَّ بدعة ضلالة ، وكُلَّ ضلالة في النار([2]) .
فهذه نقولات سلفية ، وتأصيلات أثرية عن شيخ الحديث والسُنة الإمام المحدِّث المجدد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - توضح وبكل جلاء للنبلاء والبلهاء أنه بريء من تهمة الإرجاء ، وأنه - رحمه الله - قد خالف المرجئة في غير ما موضع من كتبه وأشرطته ، وإليكم تأصيلاته وكلماته من خلال كتبه وأشرطته ومباينته لمنهج المرجئة البتة ورده عليهم .

( فصل )
تقرير الإمام بأن الكفر يكون بالقول والفعل والاعتقاد والشك ، وليس كما يزعم البعض أنه يحصر الكفر في الجحود والاستحلال والتكذيب ! ، وبيان أن ذلك محض افتراء وكذب على الإمام .
قال الإمام الألباني - رحمه الله - :
فدين الإسلام هو ما شرعه الله - سبحانه وتعالى - لعباده على ألسنة رسله ، وأصل هذا الدين وفروعه روايته عن الرُسل ، وهو ظاهرٌ غاية الظهور يمكن كل مميز من صغير وكبير ، وفصيح وأعجم ، وذكي وبليد ، أن يدخل فيه بأقصر زمان ،وإنه يقع الخروج منه بأسرع من ذلك ، من إنكار كلمة ! ، أو تكذيب ! ، أو معارضة ! ، أو كذب على الله ! ، أو ارتياب في قول الله - تعالى - ! ، أو رد لما أنزل ! ، أو شك فيما نفى الله عنه الشك ! ، أو غير ذلك مما في معناه([3]) .اهـ

( فصل )
تقرير الإمام بأن الإسلام غير الإيمان ، وأن الإيمان يشمل عمل القلب والإسلام يشمل عمل الجوارح ، وفي ذلك ردٌ على من يقول أنه يحصر الإيمان على عمل القلب فحسب ، وفيه أيضًا أنه لابد من الإيمان والإسلام معًا لدخول الجنة .
قال الإمام الألباني - رحمه الله - :
قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : « أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص » .
وفي الحديث أيضاً إشارة إلى أن مسمى الإسلام غير الإيمان ، وقد اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيراً ، والحق ما ذهب إليه جمهور السلف من التفريق بينهما لدلالة الكتاب والسنة على ذلك ؛ فقال تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) [الحجرات : 14] ، وحديث جبريل في التفريق بين الإسلام والإيمان معروف مشهور .
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في كتاب الإيمان صحيفة ( 305 ) طبع المكتب الإسلامي :
والرد إلى الله ورسوله في مسألة الإسلام والإيمان يوجب أن كلاً من الاسمين وإن كان مسماه واجباً ، ولا يستحق أحد الجنة إلا بأن يكون مؤمنًا مسلمًا ؛ فالحق في ذلك ما بينه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث جبريل ، فجعل الدين وأهله ثلاث طبقات : أولها الإسلام ، وأوسطها الإيمان ، وأعلاها الإحسان ، ومن وصل إلى العليا ، فقد وصل إلى التي تليها ، فالمحسن مؤمن ، والمؤمن مسلم ، وأمَّا المسلم فلا يجب أن يكون مؤمنًا .اهـ
ومن شاء بسط الكلام على هذه المسألة مع التحقيق الدقيق ؛ فليرجع إلى الكتاب المذكور ؛ فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع([4]) .اهـ
وقال - رحمه الله - :
الحقيقة التي لا تخفى على عالم أن هناك فرقاً بين الإسلام وبين الإيمان ، وبينهما كما يقول الفقهاء : عموم وخصوص ، أي : كل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمن ، لماذا ؟ لأن الإيمان هو الاعتقاد ؛ فهو أمر قلبي ، أما الإسلام هو أمر عملي ظاهر .
أما الإسلام فعمل ظاهري ، عمل الجوارح ، الإيمان قلبي باطني غير ظاهر ، أما الإسلام فهو ظاهري عملي فيظهر ، فقد يمكن أن يُسْلِمَ بعض الناس لمصلحة شخصية ، هذه المصلحة تتغير وتختلف باختلاف الزمان والمكان ، في الزمن الأول ، زمن قوة الإسلام التي نبع منها تشريع خاص من ذلك قوله - عليه [ الصلاة ] والسلام : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإذا قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم وحسابهم على الله » ، فإذا قالوا : لا إله إلا الله عصموا بها دمائهم وأموالهم ، إذا قالوها عن عقيدة ، عن إيمان ، أو عن خوف قتل ، خوف دفع جزية أو ما شابه ذلك ؟ لذلك كان الإسلام غير الإيمان ، فالإسلام عمل ظاهري ، والإيمان عمل باطني([5]) .اهـ
وقال - رحمه الله - : 
ادعى بعضهم أنه يقع كثيراً في القرآن وفي السنة [ أن ] يعطف بالشيء على الشيء ، ويراد بالتالي نفس الأول كما في قوله : ( إِِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) [الأحزاب : 35] ؛ فغاير بينهما بحرف العطف ، ومعلوم أن المسلمين هم المؤمنون ، والمؤمنين هم المسلمون .
فأقول : هذا غير معلوم ، بل العكس هو الصواب ، كما شرح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه ، وبخاصة منها كتابه الإيمان ، ولذلك قال في مختصر الفتاوى المصرية ، صحيفة ( 586 ) : الذي عليه جمهور سلف المسلمين أن كل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمنًا ، فالمؤمن أفضل من المسلم ، قال - تعالى - : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ) [الحجرات : 14] ؛ فالآية كما ترى حجة عليه ، ويؤيد ذلك تمامها : ( وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ) [الحجرات : 14] الآية ؛ فإن من الظاهر بداهةً أنه ليس كل مسلم قانتًا([6]) ! .اهـ

( فصل )
تقرير الإمام لتعريف الإيمان كما عرَّفه السلف ، ورده على بعض جهلة الأحناف ، وتقريره بأن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، وتعريضه بمن قال بأن الخلاف بين المرجئة وبين أهل السنة خلافٌ صوري ، وأن الأعمال ليست ركنًا في الإيمان .
قال الإمام الألباني - رحمه الله - :
المسألة الخامسة : يقول الإمام - أي : ابن أبي العز - تبعاً للأئمة مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهويه ، وسائر أهل الحديث وأهل المدينة :
إن الإيمان هو تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، وقالوا : يزيد وينقص .
وشيخك تعصباً لأبي حنيفة يخالفهم مع صراحة الأدلة التي تؤيدهم من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح - رضي الله عنهم - , بل ويغمز منهم جميعًا مشيرًا إليهم بقوله في التأنيب صحيفة ( 44 - 45 ) إلى أناس صالحون ، يشير أنهم لا علم عندهم فيما ذهبوا إليه ولا فقه , وإنما الفقه عند أبي حنيفة دونهم , ثم يقول : إنه الإيمان والكلمة ، وإنه الحق الصراح . وعليه فالسلف وأولئك الأئمة الصالحون ( ! ) هم عنده على الباطل في قولهم : بأن الأعمال من الإيمان , وأنه يزيد وينقص ، وقد نقل أبو غدة كلام شيخه الذي نقلنا موضوع الشاهد منه , نقله بحرفه , في التعليق على الرفع والتكميل صحيفة ( 67 - 69 ) ، ثم أشار إليه في مكان آخر منه ممجدًا به ومكبرًا له بقوله صحيفة ( 218 ) : وانظر لزامًا ما سبق نقله تعليقًا ؛ فإنك لا تظفر بمثله في كتاب ، ثم أعاد الإشارة إليه صحيفة ( 223 ) مع بالغ إعجابه به ، وظني به أنه يجهل - أن هذا التعريف للإيمان الذي زعم شيخه أنه الحق الصراح - مع ما فيه من المخالفة لما عليه السلف كما عرفت , مخالف لما عليه المحققون من علماء الحنفية أنفسهم الذين ذهبوا إلى : أن الإيمان هو التصديق فقط ليس معه الإقرار ! كما في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ( 5/ 129 ) , والكوثري في كلمته المشار إليها يحاول فيها أن يصور للقارئ أن الخلاف بين السلف والحنفية في الإيمان لفظي ! , يشير بذلك إلى أن الأعمال ليست ركناً أصليًا ! , ثم يتناسى أنهم يقولون بأنه يزيد وينقص , وهذا ما لا يقول به الحنفية إطلاقًا , بل إنهم قالوا في صدد بيان الألفاظ المكفرة عندهم ، وبقوله : الإيمان يزيد وينقص كما في البحر الرائق ، باب أحكام المرتدين ! ؛ فالسلف على هذا كفَّار عندهم مرتدون !! ، راجع شرح الطحاوية صحيفة ( 338 - 360 ) ، والتنكيل ( 2/ 362 - 373 ) الذي كشف عن مراوغة الكوثري في هذه المسألة .
وليعلم القارئ الكريم أن أقل ما يقال في الخلاف المذكور في المسألة أن الحنفية يتجاهلون أن قول أحدهم - ولو كان فاسقاً فاجراً - : أنا مؤمن حقًا ، ينافي مهما تكلفوا في التأويل - التأدب مع القرآن ولو من الناحية اللفظية على الأقل الذي يقول : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ) [الأنفال : 2-5] ؛ فليتأمل المؤمن الذي عافاه الله - تعالى - مما ابتلى به هؤلاء المتعصبة ، من هو المؤمن حقًا عند الله - تعالى - ، ومن هو المؤمن حقًا عند هؤلاء([7]) ؟! .اهـ

( فصل )
تقرير الإمام لركنية عمل القلب التابعة لركنية عمل الجوارح ، وأن قول القلب يستلزم عمله ، وأن كلمة التوحيد مجردة دون عملٍ لا تنفع صاحبها ، وأن هذا دينُ غلاة المرجئة .
روي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : « حضر ملك الموت - عليه السلام - رجلاً يموت فلم يجد فيه خيرًا ، وشق عن قلبه فلم يجد فيه شيئًا ، ثم فك عن لحييه فوجد طرف لسانه لاصقًا بحنكه يقول : لا إله إلا الله ؛ فغفر الله له بكلمة الإخلاص » ( منكر ) .
قال الإمام الألباني - رحمه الله - :
ثم إن الحديث منكر عندي يناقض بعضه آخره ، لأن قوله : لا إله إلا الله ، لا ينفعه ما دام لم يوجد في قلبه شيء من الإيمان إلاَّ على مذهب بعض المرجئة الغلاة ؛ الذين لا يشترطون مع القول الإيمان القلبي ؛ فتأمل([8]) .اهـ

( فصل )
تقرير الإمام لموقع الأعمال ، وأنها من الإيمان ، وأنها سببٌ لدخول الجنة ، وأنه لابد منها لدخول الجنة .
قال الإمام الألباني - رحمه الله - :
قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : « لن يدخل أحدًا منكم عمله الجنة [ ولا ينجيه من النار ] ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا - [ وأشار بيده هكذا على رأسه : ] - إلاَّ أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة ، [ مرتين أو ثلاثًا ] [ فسددوا وقاربوا ] [ وأبشروا ] [ واغدوا وروحوا ، وشيء من الدلجة ، والقصد القصد تبلغوا ] [ واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ] » .
واعلم أن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس ، ويتوهم أنه مخالف لقوله - تعالى - : ( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [الزخرف : 72] ، ونحوها من الآيات والأحاديث الدالة على أن دخول الجنة بالعمل ! ، وقد أجيب بأجوبة أقربها إلى الصواب : أن الباء في قوله في الحديث : « بعمله » هي باء الثمنية ، والباء في الآية باء السببية ، أي أن العمل الصالح سببٌ لابد منه لدخول الجنة ، ولكنه ليس ثمنًا لدخول الجنة ، وما فيها من النعيم المقيم والدرجات([9]) .اهـ
وقال - رحمه الله - :
الله - تبارك وتعالى - جعل لكل شيء سببًا ؛ فالعمل الصالح سببٌ لدخول الجنة ، والعمل السيئ سبب لدخول النار([10]) .اهـ

( فصل )
تقرير الإمام لأهمية الأعمال والتعويل عليها والتشديد في أمر تاركها ، وأنه لم يدخل الإيمان إلى قلبه ! ، وأن الإيمان بدون عملٍ لا يفيد ! .
قال الإمام الألباني - رحمه الله - :
إن الإيمان بدون عمل لا يفيد ! ؛ فالله - عز وجل - حينما يذكر الإيمان يذكره مقرونًا بالعمل الصالح ؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح ! ، إلاَّ أن نتخيله تخيلاً ، آمن مِن هنا ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ومات من هنا ، هذا نستطيع أن نتصوره ، لكن إنسان يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويعيش دهره مما - شاء الله - ولا يعمل صالحًا([11]) ؛ فعدم عمله الصالح هو دليلٌ أنه يقولها بلسانه ، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه ؛ فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح([12]) .اهـ

( فصل )
تقرير الإمام بأنه لا يتصور صلاح للقلوب إلاَّ بصلاح الأعمال ، وبيان تفاضل الناس في الجنة ، وأن سبب هذا التفاضل الأعمال الصالحة ، ونكيره على من أهمل لفظة « وأعمالكم » من الأئمة المحققين ، وعدِّه لهذا الأمر أنه من الخطأ الفاحش ، وأنه لا يتصور دخول الجنة بغير العمل .
قال الإمام الألباني - رحمه الله - :
الحديث ( 8 ) وعن أبى هريرة : « إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم , ولكن ينظر إلى قلوبكم » . رواه مسلم
قلت : وزاد مسلم وغيره في رواية : « وأعمالكم » ، وهو مخرج في غاية المرام في تخريج الحلال والحرام ( 410 ) ،وهذه الزيادة هامة جدًا لأن كثيرًا من الناس يفهمون الحديث بدونها فهمًا خاطئًا ! ، فإذا أنت أمرتهم بما أمرهم به الشرع الحكيم من مثل إعفاء اللحية ، وترك التشبه بالكفار ، ونحو ذلك من التكاليف الشرعية ، أجابوك بأن العمدة على ما في القلب ! ، واحتجوا على زعمهم بهذا الحديث ، دون أن يعلموا بهذه الزيادة الصحيحة الدالة على أن الله - تبارك وتعالى - ينظر أيضًا إلى أعمالهم ، فإن كانت صالحة قبلها ، وإلا ردها عليهم كما تدل على ذلك عديد من النصوص كقوله - صلى الله عليه وسلم - : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » .
والحقيقة أنه لا يمكن تصور صلاح القلوب إلاَّ بصلاح الأعمال ، ولا صلاح الأعمال إلاَّ بصلاح القلوب ، وقد بين ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجمل بيان في حديث النعمان بن بشير : « ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، إذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهى القلب » ، ( 593 ) .
وحديثه الآخر : « لتسوُّنَّ صفوفكم أوليخالفن الله بين وجوهكم » أي : قلوبكم ( 1096 ) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله جميل يحب الجمال » ، وهو وارد في الجمال المادي المشروع خلافًا لظن الكثيرين .
وإذا عرفت هذا ؛ فمن أفحش الخطأ الذي رأيته في هذا الكتاب : الرياض في جميع نسخه المخطوطة والمطبوعة التي وقفت عليها ، أن الزيادة المذكورة قد استدركها المصنف - رحمه الله تعالى - في الحديث ( 1578 ) لكن قلمه أو قلم كاتبه انحرف بها فوضعها في مكان مفسد للمعنى ؛ فوقعت فيه هكذا : « ولا إلى صوركم وأعمالكم , ولكن ينظر ... »، وانطلى ذلك على جميع الطابعين والمصححين والمعلقين ! ، ولا أستثنى من ذلك مصححي الطبعة المنيرية ولا غيرها ، بل لقد انطلى أمرها على الشارح ابن علاَّن نفسه , فشرح الحديث على القلب ! ؛ فقال : ( 4/ 406 ) : أي أنه تعالى لا يرتب الثواب على كبر الجسم , وحسن الصورة ، وكثرة العمل ! .اهـ
وهذا الشرح مما لا يخفى بطلانه لأنه مع منافاته للحديث في نصه الصحيح ، معارض للنصوص الكثيرة من الكتاب والسنة الدالة على أن تفاضل العباد في الدرجات في الجنة إنما هو بالنسبة للأعمال الصالحة كثرة وقلة ، من ذلك قوله - تعالى - : وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) [الأنعام : 132] ، وقوله في الحديث القدسي : « يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرًا فليحمد الله ... » الحديث ( 133 ) ، وكيف يعقل أن لا ينظر الله إلى العمل كالأجساد والصور , وهو الأساس في دخول الجنة بعد الإيمان  ، كما قال - تعالى - : ( ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) [النحل : 32] ، فتأمل كم يبعد التقليد أهله عن الصواب ، ويلقى بهم في وادٍ من الخطأ سحيق ! ، وما ذلك إلاَّ لإعراضهم عن دراسة السنة في أمهات كتبها المعتمدة المصححة ، والله المستعان([13]) .اهـ

( فصل )
تقرير الإمام لمذهب أهل السُنة في مسألة الإيمان ، ورده على من زعم أن الخلاف بين أهل السُنة وبين الأحناف والماتردية خلافٌ صوري ، وكذلك رده على من أخرج العمل من مسمى الإيمان .
قال الإمام الألباني - رحمه الله - :
والإيمان هو الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان ، هذا مذهب الحنفية والماتريدية خلافًا للسلف ، وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم ؛ فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق - العمل بالأركان - وليس الخلاف بين المذهبين اختلافاً صوريًا كما ذهب إليه الشارح - رحمه الله تعالى - بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان ، وأنه في مشيئة الله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه ؛ فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحًا ؛ فإن الحنفية لو كانوا غيرَ مخالفين للجماهير مخالفةً حقيقيةً في إنكارهم أن العمل من الإيمان ؛ لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص ، وأن زيادته بالطاعة ونقصه بالمعصية ، مع تضافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك ، وقد ذكر الشارح طائفة طيبة منها كما في صحيفة ( 384 - 387 ) ، ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان ، وتكلَّفوا في تأويلها تكلفاً ظاهراً بل باطلاً ، ذكر الشارح صحيفة ( 385 ) نموذجاً منها ، بل حكى عن أبي المعين النسفي أنه طعن في صحة الحديث : « الإيمان بضع وسبعون شعبة ... » مع احتجاج كل أئمة الحديث به ، ومنهم البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وهو مخرج في الصحيحة ( 1769 ) ، وما ذلك إلَّا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم .
ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريًّا وهم يجيزون لأفجر واحدٍ منهم أن يقول : إيماني كإيمان أبي بكر الصديق ! ، بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل - عليهم الصلاة والسلام - ، كيف وهم بناءً على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم - مهما كان فاسقًا فاجرًا - أن يقول : أنا مؤمن - إن شاء الله تعالى - ، بل يقول : أنا مؤمن حقاً ، والله - عز وجل - يقول : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ) [ الأنفال : 2-5] ، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) [النساء : 122] .
وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالمرأة الشافعية وتسامح بعضهم - زعموا - فأجاز ذلك دون العكس وعلل ذلك بقوله: تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب .
وأعرف شخصًا من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية ؛ فأبى قائلا : لولا أنك شافعي ! ؛ فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي ؟! ، ومن شاء التوسع في هذه المسألة ؛ فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية الإيمان ؛ فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع([14]) .اهـ
وقال - رحمه الله - :
قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم وهو مؤمن » .
الحقيقة أن الحديث وإن كان مؤولاً ، فهو حجة على الحنفية الذين لا يزالون مصرين على مخالفة السلف في قولهم بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، فالإيمان عندهم مرتبة واحدة ، فهم لا يتصورون إيمانًا ناقصًا ، ولذلك يحاول الكوثري رد هذا الحديث ، لأنه بعد تأويله على الوجه الصحيح يصير حجة عليهم ، فإن معناه: وهو مؤمن إيماناً كاملاً ، قال ابن بطال: وحمل أهل السنة الإيمان هنا على الكامل ، لأن العاصي يصير أنقص حالاً في الإيمان ممن لا يعصي . ذكره الحافظ ( 10/ 28 ) .
ومثله ما نقله ( 12/ 49 ) عن الإمام النووي ، قال : والصحيح الذي قاله المحققون أن معناه : لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان ، هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ، والمراد نفي كماله ، كما يقال : لا علم إلَّا ما نفع ، ولا مال إلَّا ما نيل ، ولا عيش إلَّا عيش الآخرة ، ثم أيده الحافظ في بحث طويل ممتع ؛ فراجعه ، ومن الغرائب أن الشيخ القاري مع كونه حنفيًّا متعصبًا فسَّر الحديث بمثل ما تقدَّم عن ابن بطال والنووي ، فقال في المرقاة : ( 1/ 105 ) : وأصحابنا تأولوه بأن المراد المؤمن الكامل ، ثم قال : على أن الإيمان هو التصديق ، والأعمال خارجة عنه ! ؛ فهذا يناقض ذاك التأويل ؛ فتأمل([15]) .
انتهى الجزء الأول من هذا الدفاع ، ويتابع في الجزء القادم باقي كلام الإمام في مفارقته للمرجئة اللئام ، وقد استللت معظم مادته من كتاب موسوعة العلاَّمة الإمام مجدد العصر محمد ناصر الدين الألباني - جزى الله جامعها خير الجزاء - وهذا البحث جزءٌ من كتاب : ( دفاعـات الأعلام في الرد على البيلي هشام في فريته موافقة الألباني الإمام للمرجئة اللئام ) .

وكتب
سمير بن سعيد السلفي القاهري
3 / شوال / 1435هـ
............................................................................................................................
1 - السلسلة الصحيحة : صحيفة ( 7 - 114 ) .
2 - هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمها أصحابه , وكان يفتتح بها - ليس وجوبًا - خطبه , ومواعظه ، وعقود النكاح , وغيرها , وللإمام الألباني - رحمه الله - رسالة قيمة فيها ينبغي مراجعتها فإنها مهمة , وهناك من يذكر فيها لفظة « نستهديه » مع شذوذها ! وأنها ليست من الحديث الثابت , ومنهم من يطبق فيها أحكام التجويد ! ، وأحكام التجويد خاصة بقراءة القرآن لا غير ! فتنبه , ولم يؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يجوِّد القرآن عند استشهاده بالآيات ، أو في مقدمات خطبه ومواعظه ؛ فلزمنا الاتباع وعدم الابتداع ، والوقوف على قوله وفعله - عليه الصلاة والسلام - ، والله أعلم .
3 - نقله الشيخ الإمام الألباني - رحمه الله - عن شارح الطحاوية في الحاشية ، وهذا منه إقرارٌ لما نقل ، وتصويب لمقالة الشارح واستحسانٌ لها ، وهذا النقل بمثابة قول الإمام - رحمه الله - ولو لم يكن كذلك لما نقله مستدلًا به ! ، صحيفة ( 46 ) طبعة المكتب الإسلامي .
4 - السلسلة الصحيحة : صحيفة ( 1/ 1/288 - 290 ) .
5 - سلسلة الهدى والنور : شريط رقم ( 170 ) .
6 - السلسلة الصحيحة : صحيفة ( 6/ 1/367 ) .
7 - تحقيق شرح العقيدة الطحاوية : صحيفة ( 57 - 58 ) .
8 - السلسة الضعيفة : صحيفة ( 6/ 99 - 101 ) .
9 - السلسلة الصحيحة : صحيفة ( 6/ 1/195- 198 ) .
10 : السلسة الضعيفة : صحيفة ( 11/ 1/ 516 ) .
11 - وهذا الذي يطلق عليه الحدادية جنس العمل ! ، ويكفرون تاركه ! ، ومع ذلك التصريح من الشيخ - رحمه الله - هنا وفي مواضع أخر ؛ إلاَّ أنهم يرمونه بموافقة المرجئة ، والغلاة منهم يرمونه بالإرجاء ، وبعضهم يكفره ويخرجه من الملة ! ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
12 - شرح الأدب المفرد ، الشريط السادس ، الوجه الأول .
13 - رياض الصالحين : صحيفة ( 21 - 23 ) .
14 - التعليق على متن الطحاوية : صحيفة ( 66 - 69 ) .
15 -  السلسلة الصحيحة : صحيفة ( 6/ 2/1269 ، 1276 – 1277 ) .