الأقسام الشائعة


::::: ليس دفاعًا عن الشيخ العلاَّمة محمد سعيد رسلان ، ولكنه دفاعٌ عن أئمة الإسلام :::::
::: الآثار السلفية في حد السرقات العلمية :::
( الحلقة الأولى )
وذاك ثالث عرف السلفية بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين – وأظن كل أتباع البيلي ما سمعوا عن السلفية وانتحلوها إلاَّ بعد ثورة الخامس والعشرين لأنهم كانوا قبل ذلك حزبيين أقحاح – وهو الأستاذ المتبنطل ! حمدي أبو زيد – هداه الله – يقول عبر حسابه على الفيس بوك : مجموع تفريغاتي للشيخ محمد سعيد رسلان : للتحميل اضغط على الرابط التالي ( … ) ثم علَّق أسفل الرابط الذي نشره قائلاً ؟! تنبيه : توقفت عن تفريغ خطب الشيخ رسلان ؛ حتى يدع السرقات العلمية ، ويتوب إلى الله منها ! .
قلت : سمير بن سعيد السلفي – عفا الله عنه – : كيف تنشر الخطب المسروقة وتروِّج لها ؟ فأنت بهذا الفعل مشاركٌ في الإثم بزعمك دريت بذلك أم لم تدر ! ؛ فإن كانت سرقات كما تزعم ؛ فالدَّال على الشر كفاعله ! .
ثم يا أستاذ ! لي سؤال وأنا أدري أنك تعلم تمامًا الإجابة عنه ! ، وهو : الإحالة في الخطب تكون في المقروء على المنبر أم في المطبوع المتداول ؟ فإن قلت : في الخطب ؛ فهات الدليل ؟ ، وخطب شيخك ذائعة معظمها أقوال لأهل العلم ، ومع ذلك لا يعزوها شيخك لمظانها ؟! وهناك طائفة من الخطب الصوتية متداولة ومنشورة عبر الشابكة ولا نسمع من كثير من الخطباء – خطباء أهل السُنة – عزو لكل إيراد يقفون عليه في خطب الجمعة ! ، ولا يعرف عند أدنى من شمَّ رائحة العلم الشرعي أن هذا من السرقة العلمية ! ؛ فإن قلت : في المطبوع ؛ فلماذا تشغب على الشيخ ؟! ثم انظر إلى خطب الشيخ المطبوعة ؛ هل هي معزوَّة إلى أصحابها في الغالب أم لا ؟ فإن وجدت خلاف ذلك في خطب الشيخ المطبوعة المتداولة ؛ فلا يُعدم الشيخ منك النصيحة – فهو صاحب فضلٍ عليك ! – قبل التشهير والفضيحة ! ، فإن هذا الصنيع يا حمدي لا يحسن بك ! ؛ فهذا صنيع الحدادية اللئام ومن لفَّ لفهم من الطَغام ! ، وأعيذك بالله أن تكون منهم ! وأنت لا تدري ، وأحيلك على خطبة الشيخ الفاضل محمد سعيد رسلان – حفظه الله – والتي بعنوان : [ الرد على هشامٍ البيلي ] ففيها ما يشفي الغليل ويروي العليل ! .
وقبل الختام يا حمدي أود منك أن تسأل شيخك عن هذه الآثار التي سأسوقها إليك ، وأنتظر من شيخك أن يرد عليها مجتمعة عبر موقعه ، وأن يسلكها ! لنا إن استطاع ، وقبل الشروع في المقصود أريد أن ألفت نظرك القاصر إلى نقل مهم من شيخ المدينة وعالمها في زمانه ، لنبدأ به وليكون هو فاتحة كلامنا – بإذن الله تبارك وتعالى – قال الأخ الشيخ عبد الأول بن حمَّاد الأنصاري – رحمه الله – :
عدمُ ذِكر الكتاب المنقول منه العلم أثناء التأليف أو الكتابة طريقة المتقدمين ! ، وهم معذورون ! .اهـ
مصدر الفائدة : المجموع ، صحيفة ( 577 ) رقم الفائدة ( 185 ) ، المجلد الثاني .
ثم إليك هذه الطائفة من أقوال سلفنا الصالح في شأن أخذ العلم دون عزوه لمظانه الأصلية ، وأنت في ذلك بين أمرين أحلاهما مُر ، إمَّا أن تُسلِّم لهذه النقولات فترجع عن إسقاط من تريد إسقاطه من أهل العلم ، وإما أن تُلحق كل هؤلاء العلماء بحكم شيخك الجائر وخدنه الذي تعتقده وتقلده فيه تقليدًا أعمى دون الرجوع لفهم السلف الصالح في تلك المسألة التي تكلمتم فيها ولم تفهموها ولم تحسنوا الرد على من خالفكم فيها ؟! .
1 – صنيع مسلم وابن أبي حاتم مع البخاري – رحمهم الله – : قال أبو أحمد الحاكم : رحم الله الإِمَام مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل ؛ فَإِنَّهُ الَّذِي ألَّف الْأُصُول ، وَبَيَّن للنَّاس ، وكل من عمل بعده فَإِنَّمَا أَخذه من كِتَابه ؛ كمسلم بن الْحجَّاج ، فرَّق كِتَابه فِي كتابه ! ، وتجلَّد فِيهِ حق الجلادة حَيْثُ لم ينْسبهُ إِلَى قَائِله ، وَلَعَلَّ من ينظر فِي تصانيفه لَا يَقع فِيهَا مَا يزِيد إِلَّا مَا يسهل على من يعدُّه عَدًّا ؛ وَمِنْهُم من أَخذ كِتَابه فنقله بِعَيْنِه إِلَى نَفسه ! ؛ كَأبي زرْعَة ، وَأبي حَاتِم ؛ فَإِن عاند الْحق معاند فِيمَا ذكرتُ ؛ فَلَيْسَ تخفى صُورَة ذَلِك على ذَوي الْأَلْبَاب . وقال الدارقطني : وأي شيء صنع مسلم ؟! إنما أخذ كتاب البخاري ، وعمل عليه مستخرجا ! .
2 – صنيع البخاري مع أبي عبيدة معمر بن المثنَّى – رحمهما الله – : قال ابن حجر في ترجمة أبي عبيدة من التهذيب ، وذكره البخاري في صحيحه في مواضع يسيرة ، سمَّاه فيها وكنَّاه – تعليقا – وهذه المواضع كلها في كتاب المجاز لأبي عبيدة معمر بن المثنى ؛ هذا وقد أكثر البخاري في جامعه النقل منه من غير عزو ! – كما بينت ذلك في الشرح – .
3 – قال الإمام أحمد في محمد بن إسحاق صاحب المغازي : كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَشْتَهِي الحَدِيْثَ ، فَيَأْخُذُ كُتُبَ النَّاسِ ، فَيَضَعُهَا فِي كُتُبِه . فعقب الذهبي في السير قائلاً : هَذَا الفِعْلُ سَائِغٌ ! ، فَهَذَا الصَّحِيْحُ لِلْبُخَارِيِّ فِيْهِ تَعلِيقٌ كَثِيْرٌ .
4 – قال السخاوي في الجواهر والدرر ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر : ووراء ذلك : أنه [ أي : ابن حجر ] كان يعرفُ من أين أخذ ذلك المصنف تصنيفه أو بعضه ، فقرأتُ بخطِّه ما نصه : فصل : فيمن أخذ تصنيف غيره ، فادّعاه لنفسه ، وزاد فيه قليلاً ونقص منه ؛ ولكن أكثره مذكور بلفظ الأصل : البحر للروياني أخذه من الحاوي للماوردي . الأحكام السلطانية لأبي يعلى أخذها من كتاب الماوردي ؛ لكن بناها على مذهب أحمد . شرح البخاري لمحمد بن إسماعيل التيمي مِنْ شرح أبي الحسن ابن بطّال . شرح السنة للبغوي مستمدٌّ من شَرحَي الخطّابي على البخاري وأبي داود . الكلام على تراجم البخاري للبدر ابن جماعة أخذه من تراجم البخاري لابن المنَيِّر باختصار . علوم الحديث لابن أبي الدم أخذه من علوم الحديث لابن الصلاح بحروفه ، وزاد فيه كثيرًا . محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح لشيخنا البُلقيني ، كلُّ ما زاده على ابن الصلاح مستمدٌّ من إصلاح ابن الصلاح لمُغلْطاي . شرح البخاري لشيخنا ابن الملقِّن جمع النصف الأول من عدّة شروح ، وأما النصف الثاني فلم يتجاوز فيه النقل مِنْ شيخي [ كذا ، ولعل الصواب : شَرْحَيٍ ] ابن بطّال وابن التين ، يعني : حتى في الفروع الفقهية – كما سمعتُ ذلك من صاحب الترجمة – .اهـ
5 – ابن بطة والبربهاري – رحمهما الله – : فالأول نقل عن الثاني – وهو شيخه – بدون عزو في إبانتَيْه لاسيما الصغرى .
6 – ابن تيمية وابن القيم – رحمهما الله – : فأما الأول ؛ فإنه كثيرًا ما ينقل عن غيره بدون عزو ، لاسيما في مجال الأفكار والاستدلالات – كما بيَّنه المعتنون بشأنه ومصنفاته من الباحثين – ؛ فكثير من استدلالات ابن تيمية مأخوذة عن الجويني والغزالي ؛ بل عن بعض المتكلمين والمتفلسفة – كابن رشد – ، وهو يأخذ هذه الاستدلالات الصحيحة ، ويصوغها بأسلوبه الخاص ، من غير عزوٍ إلى أصحابها . وأما ابن القيم ؛ فإنه يكثر النقل عن شيخه ابن تيمية بدون عزو ، ونقل أيضا عن السُّهَيْلي في بدائع الفوائد ، وزاد المعاد ، ونقل عن ابن الجوزي في البدائع وغيره ؛ في أمثلة كثيرة .
7 – ابن أبي العز والمقريزي – رحمهما الله – : فالأول في شرحه على الطحاوية ، والثاني في تجريد التوحيد المفيد قد اعتمدا كلام ابن تيمية وابن القيم ، وأقاما الكتابين بكاملهما عليه .
8 – ابن حجر – رحمه الله – : ينقل في الفتح عن ابن رجب ، وعن ابن الملقن ، وفي النكت عن ابن الصلاح ، وعن الزركشي .
9 – السيوطي – رحمه الله – : الذي صنف الفارق بين المصنِّف والسارق ، عائبًا فيه على القسطلاني الذي أخذ كلامه بدون عزو إليه ؛ والسيوطي نفسه له الدر المنظم في الاسم الأعظم ، أخذ فيه كلام ابن حجر في الفتح ، وكتابه الإتقان مأخوذ من البرهان للزركشي ، ورسالته في الرد على المناطقة مأخوذة من ابن تيمية – رحم الله الجميع – .
10 – الشوكاني وصديق حسن خان – رحمهما الله – : فالأول يكثر في النَّيْل وغيره النقل عن ابن حجر وغيره ، والثاني يكثر النقل عن الأول في الروضة الندية ، وفتح البيان وغيرهما .
11 – المعلمي اليماني – رحمه الله – : عقد قسمًا في كتابه التنكيل ، سمَّاه : القائد إلى تصحيح العقائد ، وذكر فيه بحوثًا طويلة من كلام ابن تيمية – بنصه – في الرد على الفلاسفة ونحوهم ولم يعزو الكلام لابن تيمية – رحمهما الله – .
12 – جاء عن محمد بن علي الصُّوري ، قال لي الحافظ عبد الغني الأزدي : ابتدأتُ بعمل المختلف والمؤتلف فقدِم الدارقطني فأخذتُ أشياء كثير منه ؛ فلمّا فرغتُ من تصنيفه ؛ سألني أن أقرأه عليه ليسمعه مني ؛ فقلتُ : عنك أخذتُ أكثره ! ، قال : لا تقل هذا ! ، فإنك أخذتَه مُفرّقًا ، وقد أوردتَه مجموعًا ، وفيه أشياء أخذتُها عن مشايخك ، قال : فقرأتُه عليه . المصدر : سير أعلام النبلاء ، صحيفة : ( 17 /270 ) ، تذكرة الحفاظ ، صحيفة : ( 3 / 1094) ، ونحوه في وفيات الأعيان لابن خلكان ، صحيفة : ( 3 / 224 ) .
13 – قال السخاوي مُخبرًا عن شيخه الحافظ ابن حجر – رحمهما الله – : أمرني بتخريج حديث ثم أملاه كأنه لشيخ الإسلام ابن حجر ! ، اُنظر الضوء اللامع ، صحيفة : ( 2 / 40 ) .
14 – ومن ذلك ما ذكره السخاوي في اليواقيت والدرر ، صحيفة : ( 1 / 315 ) نقلاً عن شيخه الحافظ ابن حجر ، قال : فصل فيمن أخذ تصنيف غيره ؛ فادَّعاه لنفسه وزاد فيه قليلاً ونقص منه قليلاً ، ولكن أكثره مذكور بلفظ الأصل ، ثم ساق كمًّا كثيرًا من ذلك من كتُب مشهورة لعلماء معروفين .
15 – ذُكر في المثنوي والبتار في نحر العنيد المِعثار ، صحيفة : ( 281 ) : أن خليلاً الفقيه المالكي المشهور ؛ ألَّف مُختصره وجُلُّه من مختصر ابن رجب ، وألف ابن الحاجب مختصره وجُلُّه من الجواهر لابن شاف ، وألّف ابن شاف كتابًا كله تهذيب البراذعي ، وكتاب البراذعي جُله من مُدوَّنة سحنون ، وكتاب سحنون جلُّه كلام ابن القاسم .
16 – قال الإمام أحمد في ديباجة كتابه الرَّد على الجهمية مِن كلماتٍ مروية عن الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عند ابن وَضَّاح القرطبي في البدع والنهي عنها : أنّ ديباجة الرّد على الجهمية التي قالها الإمام أحمد ولم ينسبها لأحد ، إنما هي كلمات مروية ثابتة عن الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وإسنادها موجود في البدع والنهي عنها للسيوطي ؛ فهذا إمام أهل السنة – رحمه الله – نقلها دون عزوٍ فهل يستطيع أحدٌ من الناس أن يرميه بالسرقة العلمية ؟! . وقد نبَّه الإمام ابن القيِّم في الصواعق المرسلة ، صحيفة : ( 3 /927 – 928 ) ، قائلاً : قال الإمام أحمد في خُطبة كتابه في الرد على الجهمية وذكرها ، ولم ينسبها أحمد للخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ، ومع شهرتها عن الإمام أحمد كما قال ذلك ابن القيم ؛ فقد افتتح بها كتابه مفتاح در السعادة مع تصرفٍ يسير في بعض ألفاظها ولم يعزها لأحد ! .
17 – وقد نقل ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة فصولاً كاملة حول عجائب المخلوقات والحيوانات والتَّكوين من كتاب الحيوان للجاحظ . ونقل في كتابه الطب النبوي فصولاً كاملة من كُتب ابن سينا الفيلسوف ، بل نقل عن ابن طَرخان الكَحّال كتابه بالحرف والنص ، والجاحظ معتزلي ، وابن سينا فيلسوفٌ قد كفَّره بعض الناس . ونقل عن شيخه ابن تيمية فوائد في إخفاء الدُّعاء بِنَصِّها وفصِّها ؛ انظر غير مأمور التفسير القيم ، صحيفة : ( 245 – 250 ) ، مجموع الفتاوى ، صحيفة : ( 15 / 15 – 22 ) .
18 – وأخذ ابن كثير – رحمه الله – مقدمة تفسيره من مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية حرفًا حرفًا دون أدنى عزو . وقد استفاد في تفسير كثير من الآيات من أقوال ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ، ومن أمثلة ذلك تفسير قول الله – تعالى -: { أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ } [الرعد: ١٧ ] ، وتفسير الآية مأخوذ من كلام ابن قيم الجوزية كما في إعلام الموقعين ، ومفتاح دار السعادة ، والجواب الكافي ، ومقدمة اجتماع الجيوش الإسلامية .
19 – وقد استقى ابن أبي العز الحنفي – رحمه الله – شرحه لـلعقيدة الطحاوية من كُتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وانظر جّدوَل الإحالات الموجود في بداية شرح العقيدة الطحاوية .
20 – وقد نقل الشاطبي كلامًا لابن قتيبة – رحمه الله – من كتابه تأويل مختلف الحديث بترتيبه وتبويبه ؛ ولكن أجرى عليه بعض التصرف والزيادة ، فقال ، صحيفة : ( 2 / 253 ) من طبعة دار ابن عفان : وإذا رجعنا إلى الاستدلالات القرآنية أو السُّنِّية على الخصوص فكل طائفة تستدل بذلك فالخوارج … ، إلى قوله ، صحيفة : ( 2 / 254 ) : إلى أشباه ذلك مما يرجع إلى معناه .اهـ ونقل جُلّ كتاب أبي بكر الطرطوشي المُسمى البدع والحوادث ، حتى أنه وقع في بعض الأخطاء العلمية نتيجة ذلك ؛ فقد تابَع الطرطوشي في تخريجه لحديث الرويبضة ، فقال : أخرجه البخاري وليس كذلك ؛ اُنظر الاعتصام ، صحيفة : ( 2 / 286 ) ، وقارن ذلك بكتاب البدع والحوادث ، صحيفة : ( 76 ) ، طبعة دار ابن الجوزي ، وكذلك قارن الاعتصام ، صحيفة : ( 2 / 679 – 688 ) مع البدع الحوادث ، صحيفة : ( 76 – 80 ) .
21 – وقد نقل الإمام الزيلعي – رحمه الله – كتابه بأكمله من كتاب الهداية لابن التركماني ، قال صاحب التأصيل – رحمه الله وغفر له – ( 159 ) : تخريج أحاديث الهداية لابن التُّركُماني المتوفى سنة (750 ) – رحمه الله – ، وعنه نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية للزيلعي ؛ وهو مُستَلٌّ من الذي قبله ! ؛ فانظر كيف شَرُف به والأصل لغيره ، فرحم الله الجميع .
22 – وقد نقل القرطبي صاحب التفسير كلامًا كثيرًا من المحرر الوجيز لابن عطية – رحمه الله – في عشرات المواطن دون عزوٍ لمظانها .
23 – وقد أخذ الحافظ ابن حجر العسقلاني عنوان كتابه الذي شرح فيه صحيح البخاري عن كتابٍ لابن رجب الحنبلي وهو فتح الباري بشرح صحيح البخاري ! ، التقط فيه من شرح برهان الدين الحلبي المعروف بـالتلقيح لفهم قارئ الصحيح كما في اتحاف القاري صحيفة : ( 72 ) . وقد وقع له كثيرٌ مما ذكرنا من غيره ؛ ومن أمثلة ذلك أنه عند شرح حديث الثلاثة الذين خُلفوا ، صحيفة : ( 8 /117 – 125 ) أخذ فوائد مما كتبه ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في زاد المعاد ، صحيفة : ( 3 / 573 ) ، حتى أنه لما أراد أن يرُدَّ عليه في مسألة كون هلال بن أُمّيّة ، ومُرارة بن الربيع من أهل بدر لم يذكر اسمه ؛ قال : واستدلَّ بعض المتأخرين – ابن قيم الجوزية كما في زاد المعاد ، صحيفة : ( 3 / 577 ) – لكونهما لم يشهدا بدرًا .
24 – وقد تبطَّن الغزَّالي صاحب الإحياء كتاب الرعاية ، ورسالة المسترشدين للمُحاسبي ، وكذلك قوتُ القلوب لأبي طالب المكِّي ، كما في مجموع الفتاوى ، هكذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مجموع الفتاوى ، صحيفة : ( 10 /55 ) ، وتَبِع في كتابه فضائح الباطنية البغدادي في كتابه الفَرقُ بين الفِرَق كما ذكر ذلك عبد الرحمن بدوي في كتابه فضائح الباطنية ، صحيفة : (170 – 171 ) .
25 – وقد أخذ ابن الجوزي – رحمه الله – عنوان كتابه الذي نقض فيه التصوف والصوفية من كتاب الغزالي هو تلبيس إبليس ، واعتمد في كتابه القرامطة على كتاب الغزالي فضائح الباطنية ، كما بيَّنه الدكتور محمد لُطفي الصبّاغ في مقدمته لكتاب القرامطة لابن الجوزي ؛ صحيفة : ( 21 -22 ) ، قال : ولقد تبيَّن لي عندما شرعتُ في العمل ؛ أن الإمام ابن الجوزي قد اعتمد اعتمادًا كُلِّيًا على كتاب الإمام الغزالي “فضائح الباطنية” ولم يخرج عنه إلا قليلاً ، ولقد ضَغَط ابن الجوزي ذلك الكتاب المُطوّل واختصره ، ومن هنا كانت عبارة الغزالي واضحة المراد ، ظاهرة الدِّلالة ، وابن الجوزي يلتزم هذه العبارة ، ويتصرف فيها بعض التصرف حسبما يقتضيه الاختصار ولم يُشِر إلى المصدر الذي استقى منه . ثم علّق في الحاشية قائلاً : والذي يُطيل النظر في كتُب المتقدمين ؛ يجد أنهم كثيرًا ما ينقلون عبارات بعضهم مع شيء من التصرف دون الإشارة إلى مصدرها .اهـ ومن ذلك أن ابن الجوزي حذف كل ما له صلة بالمنطق والفلسفة من الأمور المعقدة التي يصعب فهمها من قِبَل غير المختصين ، وابن الجوزي له خبرةٌ تامة بالعامة ، يعرف ما يصلح لهم ، وما ينبغي أن تواجهم به ؛ فلقد خَبَر العامة ، وخاطبهم ، وَوُفِّق في وعظهم ، حتى كان من أعاظم الوُعّاظ في تاريخنا الطويل ، هذا بالإضافة إلى فضله وعلمه وتقواه وورعه . فما كتبه ابن الجوزي عن القرامطة معتمدًا فيه على كتاب الغزَّالي هو خير ما يُمكن أن يُقدَّم لقراء المسلمين في هذا الموضوع – يقول – : ورحم الله الغزالي وابن الجوزي ، وجزاهما الله خيرًا عن الإسلام . هذا كلام الشيخ محمد لُطفي الصَّبّاغ بفصه ونصه ! .
26 – أوَّل من ذكر غايات التصنيف ابن حزم الأندلسي ؛ فقال في رسائله : مجموع الرسائل ، صحيفة : ( 2 / 186 ) : وإنما ذكرنا التعريف المستحق للذكر ، والتي تدخل تحت أقسامه السبعة . ومن جاء بعده أخذها عنه ، حتّى قال محمد بن الطيِّب في إضاءة الراموس : ثُم رأيتُ أوّل من تكلم على ترتيب هذه المسائل وحَصَرها في الثمانية هو : ابن حزمٍ – رحمه الله – ، ومنها أخذها ابن حبان وغيره ، ونقلها ابن سيِّد الناس في أول شرحه لـجامع الترمذي – رحمه الله – ، وذكرها حاجي خليفة في كشف الظنون ، صحيفة : ( 1 / 35 ) بدون عزوٍ . هذه بعض الأمثلة تُلقي الضوء على ما قدمناه وقرّرناه ، على أن هذا الأسلوب والسلوك هو منهج المتقدمين من أهل العلم والفضل ، أما المتأخرون فحدِّث ولا حرج ، والقائمة تطول بذكر الكُتب والمصنفات المَنقول فيها شيء من ذلك ، كـالجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، وفتح البيان لصديق حسن خان ، فتح القدير للشوكاني ، وإتحاف السادة المتقين للزبيدي ، ولم يُحكى في هذا قول معتبر لأهل العلم عَـــدَّ هذا في باب السرقات العلمية . قال الدكتور بشّار عَوّاد معروف في كتابه الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام ، صحيفة : ( 422 ) ، مُبَيِّنًا طرائق النقل ، والإشارة إلى المصادر : اختلف المؤرخون المسلمون في الإشارة إلى المصادر التي ينقلون معلومات عنها ، أو عدم الإشارة إليها ، ولم يكن عدم الإشارة عيبًا كبيرًا في الكتاب آنذاك ! ، وقد جّرَّبنا وجود كثرة من كبار المؤرخين لم يذكروا القسم الأكبر من مصادرهم مثل : ابن الجوزي في المُنتظَم ، وابن الأثير في الكامل ، وبدر الدين العيني في عقد الجُمَان ، وغيرهم ، كما جرّبنا عدم ذكر المصادر نهائيًا عند طائفةٍ من ثقات المؤرخين ، كالمُنذري في كتاب التَّكمِلة .اهـ
27 – وقد سُئل الشيخ العلاَّمة المحدِّث عبد المحسن العبَّاد البدر – حفظه الله – عن نسبة السرقة لبعض أهل العلم والفضل : السؤال : ما رأيكم فيمن يقول : إن الإمام الشوكاني سرق كتابه نيل الأوطار من فتح الباري ، وكذلك حكمه على الأحاديث من تلخيص الحبير ، وأما كتابه إرشاد الفحول – أيضاً – فهو مسروق من كتاب آخر ؟ الجواب : هذا تعبير لا يليق بالعلماء ! ، وإذا كان الشوكاني استفاد من الحافظ ابن حجر ، أو من غيره ؛ فهذا شأن أهل العلم يستفيد بعضهم من بعض ، ومن المعلوم أن الشوكاني عالم كبير ، وليس مجرد ناقل أو مجرد معتمد على غيره ، فله آراء وله نظر ، وله عناية – رحمه الله تعالى – ، وله خبرة في الحديث ، وقضية الاستفادة من العلماء أمر لا يشك فيه ؛ فالمتأخر يستفيد من المتقدم ، والحافظ ابن حجر نفسه قد استفاد من العلماء السابقين ومن الأئمة المتقدمين ، وهكذا شأن أهل العلم يستفيد بعضهم من بعض ، ولكن اتهام العلماء بالسرقة ليس من الأدب مع أهل العلم .اهـ المصدر : شرح سنن أبي داود السجستاني – رحمه الله – ، الشريط رقم ( 54 ) ، بابٌ / حكم الغسل لمن أراد أن يُسلم .
28 – قال الشيخ مصطفى مبرم – حفظه الله – : السؤال : ما هو الضابط في مسألة السرقة العلمية حيث إن بعض الحدادية يصفون علماءنا ولاسيما شيخنا الدكتور محمد سعيد رسلان بأنه يسرق العلم ، وجزاكم الله خيرًا . الجواب : في الحقيقة أن هذا الأمر يطول الكلام عليه ، والعلم مشاعٌ بين أهله ، ولما ذكر النووي – رحمه الله تعالى – قولَ أئمةِ العلم : من بركة العلم أن ينسب إلى قائليه ، من بركة العلم أن ينسب إلى قائله ؛ قال بأن هذا ليس على إطلاقه ، من بركة العلم عزوه أو عزو القول إلى قائله قال – أنا أحاول أن أستذكر مقالته – قال في كتابه بستان العارفين ، وهو كتاب مغمورٌ على أن فيه فوائد كثيرة جدًا ، وفيه ما فيه أيضًا من المؤاخذات ، على كل حال هذه الكلمة هي التي تحدد لك الضابط في هذا الباب ، ومن بركة العلم عزوه إلى قائله لما ذكرها النووي – رحمه الله تعالى – قال : وهذا إنما يكون في الفائدة التي تُخرج بدقة فهم واستنباط ، وكلام جميل جدًا له لم أحفظ نصه وأنصح بمراجعته ، وإلاَّ أن هذا هو مرهونٌ على أن الفائدة التي هي من دقائق العلم وينفرد بها هذا العالم ، وتستنبط وتستخرج بجهدٍ جهيد ؛ أنها هي التي ينبغي أن تُعزى وأن تُنسب إلى قائلها ، أمَّا أن يأخذ الإنسانُ كتابًا أو بحثًا كاملاً لشخص ثم ينسبه إلى نفسه ؛ فإن هذا أيضًا ظاهر السرقة ، وأمَّا كون الإنسان يلجأُ إلى نفس المصادر ، أو يأخذ كلامًا شبيهًا من هذا العالم ؛ فإن هذا كثير وإلا نقول بأن كثيرين من الأئمة قد سرق بعضهم من بعض ! ، وعندنا مما قرأنا ومما كتبنا ومما دونَّا من هذا شيءٌ كثير ، ربما بعض العلماء يضع كتابَ من قبله في بطن كتابه أو جملة من كتابه دون أن يشير إلى هذا . فعلى كل حال هذه المسألة في الحقيقة أنها خاض فيها كثيرًا من الناس ، ومن نُسب إليه هذا فينبغي له أن يبين وأن يحرر القول في هذا الأمر ، ويجمع كلام أهل العلم ، والبلاغيون حتى ذكروا في آخر كتب البلاغة السرقات ، نعم . مصدر الفتوى : سؤال من سؤالين تم طرحهما على فضيلة الشيخ مصطفى بن مبرم – حفظه الله – عبر دروسه العلمية التي يلقيها في المعهد الشرعي الذي يبث عبر شبكة المعلومات ويتم نشره عبر شبكة إمام دار الهجرة .
29 – وقد سئل الشيخ مصطفى مبرم – حفظه الله – سؤالاً أخر ؛ فحواه : هل عدم عزو الكلام لأهله يكون من السرقة ؟ فأجاب – حفظه الله – : العالم قد ينقل أو يعبِّر – أي العلم – عنه بأسلوبه ، أو ما أشبه ذلك ، ولا تثريب عليه في عدم عزوه إلى قائله ! ، وإنما العزو إذا كان العلم نادرًا مختصًا لا يستنبط إلاَّ بالجهد الجهيد كما قرَّر ذلك الحافظ النووي – رحمه الله – في بستان العارفين .اهـ المصدر : الدرس الثاني من شرح الأصول الثلاثة للشيخ – حفظه الله – . قلت : وهذا نص كلام النووي – رحمه الله – في كتابه بستان العارفين ، قال : ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تُسْتَغْرب إلى قائلها ؛ فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له ؛ فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حال ، ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها ، نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائمًا .اهـ المصدر : بستان العارفين لأبي زكريا محي الدين يحي بن شرف الدين النووي – رحمه الله – ، صحيفة ( 1 / 16 ) ، طبعة دار الريان للتراث . 30 – وهذا سؤال تم طرحه على فضيلة الشيخَ نزار بن هاشم العباس السوداني – حفظه الله – من قبِل بعض إخواننا طلبة العلم ، ونصه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، هل مجرَّدُ النقلِ – حفظكم الله – بدون عزوٍ يُعَدُّ سرقةً علميَّةً ، وما حكمُ مَن يرمي مَن وَقَعَ في ذلك بالتعالمِ واللصوصية ؟ وكان إجابته بتأريخ : 22/11/2013م : وعليك السلام ، نقلُ العلمِ عن أهلِه والمعلوماتِ الشرعيةِ وفوائدِها ، وما يتعلَّقُ بذلك من تقعيدٍ وتلخيصٍ وتفصيلٍ ونحو ذلك ، يُنْظَرُ فيه إلى عدَّةِ أمورٍ أو جهاتٍ :
1 – الناقلُ من حيث عقيدتُه ومنهجُه ودرجتُه العلميةُ ورتبتُه وسيرتُه وخلقُه ، وغاياتُه من النقلِ ، وما يكونُ بينه وبين ربه الذي لا يعلمُه إلا اللهُ – سبحانه – .
2 – والمادةُ المنقولةُ ونوعيتُها : أهي استنباطٌ واجتهادٌ ؟ ، ونحو ذلك ، وأن ينقلَها بوعْيٍ وهضمٍ وفهمٍ ، ويسوقَها على سياقِ صاحبِها ومرادِه .
3 – وجهتُها وموضعُها : أهي من كتابٍ أو بتلَّقٍّ بتتلمذٍ أو سماعٌ أو بنقلِ آخرٍ عن ناقلٍ بشروطِ النقلِ المعتبرةِ من الثقةِ والعدالةِ والضبطِ ؟
4 – والمنقولةُ عنه من حيث سلامةُ دينِه ومنهجُه وصحةُ علومِه ، وإن ابتليَ بخللٍ لم يُبَدِّعْه ويخرجْه عن دائرةِ العلمِ والحقِّ العامِّ ؛ كالعلاَّمةِ ابنِ حجرٍ – رحمه الله تعالى – .
5 – وطريقةُ النقلِ وأسلوبُه والتصرفُ فيه ؛ فإذا قال الناقلُ – مثلًا – : قلتُ ، فيما نَقَلَهُ عن غيرِه ؛ فإن هذا لا يليقُ ؛ لأنه خلافُ الحقِّ والواقعِ ، ونوعُ تلبيسٍ يظنُّ من خلاله السامعُ أو القاريءُ أن القولَ قولُ الناقلِ لا غيرِه ، وكذا إذا كان النقلُ في مسألةٍ وأمرٍ دقيقٍ يُعْلَمُ بالعلمِ والنظرِ أنه صادرٌ عن عالمٍ راسخٍ ناضجٍ ، لا عن مجردِ ناقلٍ محضٍ ، أو طالبِ علمٍ ، فهنا سَوْقُ وسِيَاقُ النقلِ لا بد أن يكون بأسلوبِ العزوِ والإرجاعِ إلى أهلِه .
6 – والجهةُ المنقولُ إليها من الناسِ : أهم عوامُّ أم علماءُ أو طلابُ علم ؟ ؛ فهذه جهاتٌ مختلفةٌ لكلٍّ منها خطابُها وأسلوبُها .
7 – زمانُ النقلِ ووقتُه وعصرُه : أفي السالفين السابقين أم الحاضرين المعاصرين ؟ ، أزمانُ علمٍ أم جهلٍ ؟ ، فهذه أمورٌ لا بد من مراعاتِها ورعايتِها حقَّ الرعايةِ ؛ لأنها قد تَذِلُّ فيها – إن لم يسلِّمِ الرحمنُ – أقدامٌ وأقدامٌ ، هذا أمرٌ نخلُصُ منه – إن شاء الله – إلى أن النقلَ منه :
1 – ما هو عامٌّ يشتركُ في نقلِه مَن في دائرةِ العلمِ من نصوصِ الشرعِ وإنزالِها في محالِّها وبيانِ معانِيها العامةِ وشرحِها والفُهُومِ العامَّةِ في ذلك .
2 – خاصٌّ مِن استنباطِ عالمٍ أو طالبٍ راسخٍ أو اجتهادٍ أو تقعيدٍ واختصارٍ .. إلخ ، مما يُسْتَفْرَغُ ويُبْذَلُ فيه الجهدُ والعقلُ ونتاجُ المكنة العلمية – كما أشرتُ إلى ذلك أعلاه – ، فالأولُ : يُتَسَاهَلُ فيه ولا يُشَدَّدُ ، والثاني : يُتَأَدَّبُ فيه بالأدبِ العلميِّ والأمانةِ الشرعيةِ ، ويُنْظَرُ فيه في أهليةِ الناقلِ العلميةِ ودرجتِه .. إلخ – كما مر معنا – ، وعليه :
1 – نعلمُ – إن شاء الله – أن النقلَ العلميَّ عن الغيرِ يقومُ على العلمِ والأدبِ والأصولِ الْمَرْعِيَّةِ في هذا الشأنِ ، وليس خَبْطًا وعَبَثًا .
2 – أن نقلَ علماءِ السلفِ ومن سار على طريقتِهم كان نقلًا معتبرًا – وإن تجرَّدَ عن العزوِ أحيانًا ضيقة – ؛ لتوافرِ هذه الاعتباراتِ في وسطِهم ، فهم أهلُ الصدقِ والأمانةِ والدائرةِ العلميةِ الصافيةِ ، وإنَّ عدمَ عزوِهم ليس جَحْدًا وغمطًا للحقوقِ ، بل هم كالجسدِ الواحدِ يخدمون بكلِّ علومِهم وتخصصاتِهم قضيةً واحدةً ، إقامةُ الحقِّ ، ورفعُ الجهلِ ، ونصرةُ الإسلامِ والذبِّ عنه وعن أهلِه ، وعدمُ عزوِهم قد يكونُ لأعذارٍ ؛ كغلبةِ مظهرِ العلمِ وكثرةِ أهلِه ، وكذا الشأن في المتأخرين السائرين على طريقتِهم ، بل ربما يدعوهم الخوف – أحيانًا – من ردِّ الحق ، والصدِّ عن السبيل من الناس حين غلبة البدع والجهل والهوى والحرص على هدايتهم على عدم العزو للنقل ، إذا كان المنقولُ عنه ممن عُرِفَ بالحقِّ والردِّ على ما هم عليه وكبارهم من البدع والأهواء ، كما بيْن ذَلك علماؤنا – أثابهم الله – .
3 – بل يقال : إن الأصلَ العزوُ للنقلِ ؛ لأن ذلك لا شك تحقيقٌ للأمانةِ : إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ” [النساء: ٥٨] ، ولذا قالوا : إن من بركة العلم عزوه لأهله ؛ كعزوِ الحديثِ الشريفِ – على صاحبِه أتمُّ الصلاةِ والسلامِ – بسندِ رجالِه ، وهكذا كان السلفُ الصالحُ السابقُ – رحمهم الله تعالى – والقدامى يكتبون في شتى فنون العلم والأدب ، حتى الشعر وأقوال الحكمة بالسند عن أهلها ، فانظر – على سبيل المثال – في روضة العقلاء لابن حبان – رحمه الله – ، هذا هو الأولى والأورع الجميل والأحوط إلَّا إذا دعا ما يُعْتَبَرُ إلى تركه ، وبالنظر في ما يسر الله كتابته ، يعرفُ السائلُ – إن شاء الله – متى يسوغُ النقلُ بلا عزو ؟ ، ومتى يكونُ حقًّا مقبولًا ؟ ، ومتى يكونُ كذبًا مردودًا ؟ ، واللهَ أسألُ أن يحملَنا على ما يرضيه عنا ، وألا يكلَنا إلى أنفسنا طرفة عين . فهذه أمثلة ترشد إلى ما وراءها ، وقد لخَّص الشوكاني الأمر ، فقال في البدر الطالع : وَكَذَا قَوْله : إنه نسخ كَذَا ، وَأخذ كَذَا ؛ لَيْسَ بِعَيْب ؛ فإن هَذَا مازال دأب المصنفين ، يأتي الآخِر فَيَأْخُذ مِن كتب مَن قبله ، فيختصر ، أَو يُوضح ، أوْ يعْتَرض ، أَو نَحْو ذَلِك من الْأَغْرَاض التي هي الباعثة على التصنيف ؛ وَمَن ذَاك الذي يعمد إلى فنٍ قد صنَّف فِيهِ مَن قبله ، فَلَا يَأْخُذ من كَلَامه ؟! فمما تقدم يُعلم أن النقل بدون عزو واقع في تصانيف العلماء ، وقد يكون مجرد نقل للأفكار ، وقد يكون نقلاً حرفيًا للكلامِ نفسه -بتصرف أو بغير تصرف – ، وقد يكون هذا النقل فاحشًا أو غير فاحش ؛ فكل هذا موجود في تصانيف العلماء . وأما السرقة العلمية فصورتها : أن يسطو الرجل على كتاب غيره ، فينسبه إلى نفسه ، ويدَّعي أنه هو من ألِّفه ! ، وينسبه لنفسه كاذبًا متعمدًا ذلك . ومن أمثلة ذلك : ما ذكره ابن حجر في ترجمة ابن أبي طيٍّ الرافضي من اللسان : قال ياقوت : كان يدَّعي العلم بالأدب والفقه والأصول – على مذهب الإمامية – ، وجعل التأليف حانوته ، ومنه قُوته ومكسبه ؛ ولكنه كان يقطع الطريق على تصانيف الناس ؛ يأخذ الكتاب الذي أتعب جامعه خاطره فيه ، فينسخه – كما هو – ؛ إلَّا أنه يقدِّم فيه ويؤخِّر ، ويزيد وينقص ، ويخترع له اسمًا غريبًا ، ويكتبه كتابة فائقة لمن يشبِّه عليه ، ورُزق من ذلك حظا .اهـ المصدر : سؤال من الأخ أبي همام أحمد إيهاب – جزاه الله خيرًا – لفضيلة الشيخ نزار بن هاشم السوداني – حفظه الله – عبر بريد موقع الشيخ ، وقد أرسله لي – جزاه الله خيرًا – .
قلت : وأخيرًا فإن النقل بدون عزو أو ذكر للمصدر يقال عنه أنه سرقة – وتجد له نظائر عند المحدِّثين قديمًا – كمسألة إلحاق السماع ، وصورتها : أن يأتي الراوي بجزء حديثي – مثلاً – لم يسمعه ؛ فيكتب على غلافه أنه سمعه ، والنقَّاد يقولون في مثل هذا : رأيته قد ألحق سماعه على الجزء بخَطٍّ طَرِيٍّ ، ولا يختلفون أن مثل هذا مطعونٌ في عدالته ، متهمٌ في روايته . وإنما حكمنا على هذه الصورة – خاصة – بالسرقة لأنها قائمة على الكذب ؛ بخلاف الصورة التي ذكرناها آنفًا في كتب العلماء ؛ فإنها قائمةٌ على الإيهام ، ليس فيها كذبٌ أو ادِّعاءٌ لكتب أحد ؛ فلم تكن من قبيل السرقة ؛ وهل يُظن بعلماء الأمة أن تفشواْ بينهم مثل هذه الصورة ؟! ، وهي سرقة ! ، وتخفى على كل هذا الجمع من العلماء والفضلاء وهم يتداولونها بينهم ، ثم يأتي بعض الخلوف ليكتشف هذا فجأة ! ، ويتلقف هذا عنه بعض المرضى ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون ؟!.اهـ المصدر : منقول مع التصرف زيادة ونقصًا ، حتى لا يتهمنا أي أحد من الغلاة بعد كل هذه النقول العلمية أننا نسرق العلم وننسبه لأنفسنا ! ؛ فيكون الأمر كما يقول القائل : كأننا نؤذن بين بعض الصم ! .
تنبيه : عرضت هذا المبحث على جِلة من طلاَّب العلم الكبار فاستحسنوه جدًا ، ومن هؤلاء المشايخ فضيلة الشيخ غازي العرماني – حفظه الله – أحد طلاَّب الشيخ العلاَّمة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – الثابتين على الحق ؛ فأرسل يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إلى المحب الشيخ الفاضل سمير بن سعيد السلفي – وفقكم الله – هكذا عرفتك يا شيخ سمير ، تدافع عن أهل الحق وحماته – علماء السنة أصحاب المنهج السلفي – فبالأمس كان دفاعك عن الإمام الألباني – رحمه الله تعالى – واليوم عن الشيخ العلاَّمة محمد سعيد رسلان – حفظه الله – وفي هاتين الرسالتين نستفيد منك فوائد علمية ، وأحيطك علمًا أنني اطلعت على هذه الرسالة فألفيتها رسالة قيمة جمة الفوائد ، كاشفة لعوار هذا الداء الحادث – الحدادية – فبارك الله في جهدك ونفع به .
ثم قال الشيخ غازي – حفظه الله – : لا تنسى تضع لها رابطا وترفقه معها .
فقلت للشيخ : بارك الله فيكم شيخنا ، وأفيدكم أن هذا الدفاع حاشية في الكتاب المذكور – الدفاع عن الإمام الألباني والرد على هشام البيلي – ، فهل ترونه صالح للنشر شيخنا ؟ فأجاب الشيخ : نعم صالحة للنشر لاحتوائها – أي المقالة – على فوائد علمية .اهـ
وكتب
راجي عفو ربه العلي
سمير بن سعيد السلفي